حلت في الثامن من فبراير ذكرى وفاة الكاتب الفرنسي جول فيرن (1828-1905)، أحد رواد أدب الخيال العلمي، الذي لم يكن مجرد كاتب مغامرات، بل كان صاحب رؤية استشرافية تجاوزت زمنه، حيث نجح في رسم ملامح مستقبل مليء بالاختراعات والاكتشافات التي تحققت بعد وفاته، ما جعله واحداً من أكثر الأدباء تأثيراً في التاريخ.
ولد فيرن في نانت بفرنسا، ونشأ في بيئة شهدت ثورة علمية وصناعية، ما غذّى شغفه بالمعرفة والابتكار. انعكست هذه الروح في رواياته التي مزجت بين الخيال العلمي والحقائق الجغرافية والتكنولوجية، فاستطاع بأسلوبه المشوّق أن يجعل العلم مادة أدبية جذابة للقارئ العادي. ومن بين أعماله الأيقونية “عشرون ألف فرسخ تحت البحر”، التي توقع فيها ظهور الغواصات الحديثة، و”من الأرض إلى القمر، التي وصفت رحلة فضائية بدقة مدهشة قبل قرن تقريباً من هبوط الإنسان على القمر، إضافة إلى “رحلة إلى مركز الأرض”، التي استكشفت العوالم المجهولة تحت سطح الأرض.
لم يكن تأثير فيرن محصوراً في الأدب فقط، بل امتد إلى مجالات أخرى، فقد ألهمت أفكاره العلماء والمخترعين مثل توماس إديسون وروبرت جودارد، كما أثرت على برامج الفضاء الحديثة، حيث اعترف رواد فضاء من وكالة “ناسا” بأن كتبه ورواياته كانت دافعاً لهم لاستكشاف الكون. كما تحوّلت أعماله إلى أفلام ومسلسلات شكّلت حجر الأساس للخيال العلمي في السينما، وألهمت مئات العاملين في هذا المجال حول العالم لتأليف وإنتاج أعمال مستمدة من مؤلفاته.
اليوم، بعد أكثر من قرن على رحيله، لا يزال جول فيرن حاضراً في الذاكرة الأدبية والعلمية، فهو لم يكن مجرد كاتب، بل كان مستكشفاً عبر الكلمات، ترك إرثاً خالداً يذكّرنا بأن الخيال قد يكون الطريق الأول نحو الابتكار، والأهم من ذلك أنه جعل الخيال العلمي مجالاً أدبياً تتسابق دور النشر على إصدار أعمال تتمحور حوله، كما أصبح هناك جمهور كبير جداً، يصل تعداده إلى عشرات الملايين من القراء المهتمين بقراءة مثل هذه الأعمال التي تنمي فيهم الخيال والإبداع.