في الشارقة، لا تُعامل اللغة العربية كمنهج تعليمي فحسب، بل كقيمة ثقافية تُغرس في الطفل منذ سنواته الأولى. فالمشروع الثقافي الذي تقوده الإمارة بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، جعل من اللغة محوراً أساسياً لبناء الإنسان قبل أي شيء آخر. فالقراءة والحكاية والأنشطة اللغوية أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للطفل، تُقدَّم بروح اللعب والاكتشاف لا بصرامة التعليم، لتنشئ ارتباطاً عاطفياً بين الصغير ولغته، وتحوّل العربية إلى مساحة متعة ومعرفة في آن واحد.
وقد أدركت الشارقة أن اللغة لا تُلقَّن، بل تُعاش، لذلك صمّمت منظومة متكاملة تُعيد للطفل علاقته بالكلمة. ففي مهرجان الشارقة القرائي للطفل، على سبيل المثال، يختبر الصغار العربية من خلال المسرح والرسم والقصص التفاعلية، فيتحدثونها ويكتبونها دون أن يشعروا بأنهم يتعلّمونها. أما في بيت الحكمة، فتقف العربية إلى جانب اللغات العالمية، لتقول إن المستقبل لا يعني التخلّي عن الجذور، بل الانطلاق منها بثقة ووعي، بما يُشكّل تجربة حيّة، يتذوقها الطفل لا بالحفظ بل بالممارسة اليومية في بيئة ثقافية تشجعه على التعبير والتفكير بالعربية.
وتظهر رؤية الإمارة بوضوح في مبادرات مثل مبادرة “لغتي”، التي توفر الأجهزة اللوحية التفاعلية لتعليم العربية بأساليب حديثة، و”جائزة الشارقة للتأليف المسرحي للأطفال” التي تفتح أمام الأجيال الجديدة آفاق الكتابة الإبداعية بلغة سليمة وجميلة. هذه المشاريع وغيرها لا تكتفي بصون العربية في المدارس، بل تجعلها جزءاً من التجربة الحياتية، تربطها بالخيال والابتكار، وتغرس في الأطفال الإحساس بأن لغتهم قادرة على التعبير عن كل ما هو جديد ومتطور، تماماً كما هي قادرة على حفظ التراث والذاكرة.
وفي مكتبات الشارقة العامة، حيث تتجاور القصص المصوّرة مع الكتب التراثية، يجد الطفل مساحة لاكتشاف تنوع اللغة العربية وسحرها. فالتجربة القرائية هنا تتجاوز التلقين إلى بناء المهارات: النطق السليم، والفهم العميق، والاستماع الواعي. كما تنمّي القراءة بالعربية روح الانتماء، وتمنح الطفل وسيلته الأولى للتعبير عن ذاته في عالم سريع التغيّر. وبذلك تتحوّل اللغة إلى وسيلة لتكوين الشخصية لا مجرد أداة للتواصل، وتصبح القراءة بالعربية أساساً لفكرٍ ناقدٍ وخيالٍ منفتحٍ ووجدانٍ أصيل.



