Home 5 مقالات و تقارير 5 مريم: الاسم الذي لا ينساه الأدب

مريم: الاسم الذي لا ينساه الأدب

بواسطة | سبتمبر 23, 2025 | مقالات و تقارير

من بين الأسماء التي لا تفقد سحرها عبر العصور، يبرز اسم مريم كأيقونة ثقافية وأدبية تتجاوز حدود اللغة والدين والجغرافيا، فهو اسم يجمع بين التاريخ والوجدان، فيحضر في النصوص المقدسة كرمز للطهر، وفي القصائد كرمز للحب والجرح الإنساني، وفي الروايات كشخصية تعكس صراعات المرأة والمجتمع. لذلك، يبدو اسم “مريم” ليس مجرد دلالة لغوية بل نصاً قائماً بذاته، يفتح أمام الأدباء باباً للتأويل والرمز، ويمنح القارئ شعوراً بالسكينة والحنين كلما تردّد. وربما لهذا السبب أصبح الاسم من أكثر المفردات حضوراً في الأدب الحديث، فهو يجمع بين البساطة التي تقرّب، والعمق الذي يدعو إلى التأمل.

 

لا يمكن أن نمر على حضور الاسم في الأدب دون ذكر رواية “ألف شمس ساطعة” للكاتب الأفغاني خالد حسيني، حيث تمثل “مريم” إحدى الشخصيات الرئيسة التي تختصر معاناة المرأة تحت وطأة الحرب والظلم الاجتماعي. شخصية “مريم” في الرواية ليست مجرد فرد، بل رمز لآلاف النساء اللواتي عشن على الهامش، لكنها أيضاً مثال للقوة الداخلية القادرة على التضحية والوفاء. وهكذا يتحوّل الاسم في النص إلى ما يشبه القصيدة الطويلة عن الصبر والمقاومة. هذه القدرة على تحويل “مريم” إلى استعارة كونية تؤكد أن الأدب حين يستعير الاسم لا يكتفي بالهوية الشخصية، بل يجعل منه مرآة للتجربة الإنسانية كلها.

 

أما في رواية “أحلام مريم طير” للكاتبة مهاني علوي، يأخذ الاسم بعداً أسطورياً. فمريم هنا ليست فقط امرأة تبحث عن ذاتها، بل هي أيضاً كيان يحمل ذاكرة جماعية تتقاطع فيها الحكايات العائلية والرموز الشعبية والأساطير القديمة. تنسج الرواية خيوطها بين الحلم والواقع، وتجعل من “مريم” بطلة متكررة عبر الأجيال، كما لو أن الاسم بحد ذاته قدر يتوارثه الزمن. وتكشف هذه المعالجة الأدبية عن قدرة الاسم على احتضان قصص متعددة، إذ يمكن أن يكون في الوقت نفسه امرأة من لحم ودم، ورمزاً أسطورياً يختزن أسئلة الوجود، ما يمنحه خصوصية تميّزه عن غيره من الأسماء.

 

ويظهر الاسم أيضاً في نصوص مستوحاة من وقائع مؤلمة معاصرة. ففي رواية “الفتاة” للكاتبة الأيرلندية إيدنا أوبراين، تحضر شخصية “مريم” كفتاة اختطفتها جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا. حيث تطرح الرواية معاناتها من العنف والحرمان، لكنها في الوقت نفسه تسلّط الضوء على شجاعتها في مواجهة الواقع القاسي. هنا يغدو اسم “مريم” رمزاً للألم الإنساني، وفي الوقت نفسه لبذرة الأمل التي تنمو في قلب المعاناة. الاسم يتخذ شكلاً توثيقياً تقريباً، وكأن الأدب اختاره ليخلّد صوتاً نسائياً عانى لكنه لم يستسلم.

 

من خلال كل هذه الأعمال، يتضح أن “مريم” لم يعد اسماً محصوراً في سياق شخصي أو محلي، بل صار علامة أدبية عابرة للحدود. من الشرق إلى الغرب، من النصوص الدينية إلى الرواية الحديثة، ومن الشعر إلى الأغنية، يظل الاسم مادة خصبة للكتابة، ورمزاً متعدد الأبعاد. وربما يكمن سره في تلك الثنائية التي يحملها: الطهر والقوة، الحنان والألم، الفردية والكونية. إن “مريم” في النهاية ليست شخصية بعينها، بل نصاً مفتوحاً يكتب نفسه من جديد مع كل جيل، ويؤكد أن بعض الأسماء تولد لتكون جزءاً من الأدب كما هي جزء من الحياة.

 

أخبار حديثة

20ديسمبر
حين تكتب ديا ميرزا للأطفال

حين تكتب ديا ميرزا للأطفال

تفتتح الممثلة الهندية ديا ميرزا فصلاً جديداً في مسيرتها الإبداعية مع شروعها في تأليف سلسلة من خمسة كتب موجهة للأطفال، تستلهم فيها تجاربها الشخصية وقيمها الإنسانية وشغفها العميق بالسرد. ويأتي هذا المشروع ليشكّل محطة نوعية في رحلتها الفنية، حيث تنقل ميرزا جزءاً من رؤيتها للعالم إلى قصص قادرة على ملامسة عقول الصغار ومخيلاتهم، وتقديم مضامين […]

18ديسمبر
أدب الرسائل ينهض من جديد

أدب الرسائل ينهض من جديد

في زمن تتدفق فيه الكلمات بسرعة البرق، وتُكتب الرسائل بضغطات مختصرة على الشاشات، يعود أدب الرسائل ليذكّرنا بأن الكتابة كانت يوماً فعلاً بطيئاً، وعميقاً، ومشحوناً بالعاطفة. وهذا النوع من الأدب لا يقدّم موضوعاً فحسب، بل يكشف صاحبه كما هو: هشاً، أو صادقاً، أو ممتلئاً بالأسئلة التي يخجل الإنسان غالباً من قولها بصوت مرتفع. ربما لهذا […]

16ديسمبر
ناشرون مستقلون يعيدون ابتكار كتب الفن

ناشرون مستقلون يعيدون ابتكار كتب الفن

تشهد فرنسا حراكاً لافتاً في عالم الكتب الفنية، تقوده دور نشر مستقلة أعادت تعريف كتاب الفن بوصفه مساحة إبداعية قائمة بذاتها، لا مجرد وعاء للنص أو الصورة. فبينما يتميّز المشهد الفرنسي بثرائه، مع نشر نحو 75 ألف كتاب سنوياً وشبكة واسعة من المكتبات المستقلة، يظل السوق خاضعاً لهيمنة عدد محدود من المجموعات الكبرى. في هذا […]

Related Posts

كيف تبني الشارقة علاقة الطفل بلغته العربية؟

كيف تبني الشارقة علاقة الطفل بلغته العربية؟

في الشارقة، لا تُعامل اللغة العربية كمنهج تعليمي فحسب، بل كقيمة ثقافية تُغرس في الطفل منذ سنواته الأولى. فالمشروع الثقافي الذي تقوده الإمارة بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، جعل من اللغة محوراً أساسياً لبناء...

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

في عالم يزدحم بالعلامات التجارية والأسماء اللامعة، تبقى "فالنتينو" استثناءً فنياً نادراً، فهذه العلامة الإيطالية اللامعة ليست مجرد دار للأزياء والموضة، بل رؤية ثقافية وفكرية للجمال الإنساني، حيث يتجاور الخيط مع الفكرة، ويتحوّل القماش إلى استعارة للذات، كما يتحوّل النص...

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

  حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟   في كل حقبة من التاريخ، كان السفر فعلاً يفتح الآفاق، لكن الكتب كانت دائماً البوصلة التي تمنح الرحلة معناها وتوجّه خطوات المسافر. فأدب الرحلات لا يكتفي بوصف الأمكنة، بل يصوغ صورة متخيَّلة لها، قد تبدو في...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this