يُعَد الكاتب التشيكي فرانز كافكا، أحد أكثر الكُتّاب غموضاً وتأثيراً في القرن العشرين، وغالباً ما ينظر إليه بأنه صوت القلق الوجودي المعاصر أو رائد الكتابة الكابوسية! إذ تعكس أعماله، وخاصة “المحاكمة” و”التحوّل”، الاغتراب وعبثية الحياة في عالم متزايد البيروقراطية واللامبالاة.
في “المحاكمة”، يستكشف كافكا موضوع العجز داخل نظام ضخم بلا وجه. يتم القبض على بطل الرواية، جوزيف ك.، بتهمة ارتكاب جريمة لم يتم إخباره عنها أبداً ويخضع إلى عملية قانونية لا نهاية لها وغير شفافة. لتجسّد الرواية إحباطات التنقل بين البيروقراطيات، وهو موضوع يتردد صداه في المناقشات المعاصرة حول التأثيرات اللاإنسانية للمؤسسات الحديثة. وبذلك جعل تصوير كافكا للأنظمة القمعية من روايته “المحاكمة” رمزاً خالداً لأولئك الذين يشعرون بالإرهاق بسبب تعقيد وطبيعة الحياة.
في روايته الأخرى “التحوّل”، يتعمّق كافكا في موضوع الاغتراب الشخصي. حيث تسلّط قصة جريغور سامسا، الذي يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة عملاقة! الضوء على العزلة الناجمة عن الشعور بعدم الانتماء إلى المجتمع أو داخل الأسرة. يعمل تحوّل سامسا كاستعارة للانفصال بين الهوية الفردية وتوقعات المجتمع، وهو الصراع الذي لا يزال كثيرون يتصدون له اليوم.
غالباً ما توصف أعمال كافكا الخيالية بأنها “كافكاوية”، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى المواقف المعقدة أو السخيفة أو غير المنطقية بشكل كابوسي. تجسّد أعماله الرعب الوجودي للعيش في عالم يبدو غير مبالٍ بالمعاناة البشرية والضعف. إن القلق الذي يصوره كافكا ليس شخصياً فحسب، بل إنه منهجي، يعكس مخاوف وإحباطات الحداثة، وغياب الإيمان بقيمة الحياة والشعور بالأمل، ورغم ذلك نالت إعماله إعجاب كثيرين، ومازالت تحتل قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في القرن العشرين.