في أحد خطاباته الرئيسية الأخيرة قبل وفاته، تطرق الشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، الذي وافته المنية في 14 فبراير 2021 عن 77 عاماً، إلى ما أسماه “أزمة النشر في العالم العربي”. كان ذلك أثناء إلقائه كلمة رئيسية في المؤتمر الإقليمي للاتحاد الدولي للناشرين الذي عقد بالعاصمة الأردنية عمّان في سبتمبر 2019.
لقد كان خطاباً قوياً ومباشراً، كان فيه البرغوثي صريحاً في انتقاده لبعض دور النشر العربية، وتحدث كثيراً عن التأثير الدائم للاستعمار. وقال إن كلمة “أزمة” يمكن أن تصف جوانب عديدة من المجتمع العربي وأن المنطقة كانت تعاني من آثار “الاستعمار الجديد، والاستعمار الاستيطاني، والاستعمار الاقتصادي”.
وقال آنذاك: “إن الأزمة تأثرت بكل جوانب الحياة العربية. هناك أزمة حرية التنقل وحرية التعبير. هناك أزمة لأننا لا نستطيع الاتفاق على آلية سلمية لانتقال السلطة… والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أزمة القوى الأجنبية المهيمنة التي تحاول إجبارنا على التبعية الكاملة”.
وأشار البرغوثي إلى الذي ترأس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2015 أنه يئس من أن “العديد من الأعمال المشاركة في الجائزة، رُشحت من قبل دور النشر التي يبدو أنها أُنشئت لغرض وحيد هو المشاركة في المسابقة… بعض دور النشر تحصل على مبالغ من المال من الكُتّاب مقابل نشر رواية”.
وأعرب عن أسفه لعدم وجود محررين أدبيين في دور النشر العربية، مضيفًا أن القلة من الناشرين الذين يعيّنون محررين أدبيين “عادة ما يصابون بالصدمة عندما يجدون أن الكُتّاب العرب، غير المعتادين على هذا التقليد، يرفضون التعاون مع المحرر”. كما أعرب عن أسفه لقلة الوكلاء الأدبيين في المنطقة “الأمر الذي أدى إلى انتقال الكُتّاب من باب إلى آخر بمخطوطاتهم لإيجاد ناشر مهتم، وهذا يصل إلى التسول، الذي لا يمارسه كاتب يقدر عمله.
وأضاف: “لقد أدى الاستعمار إلى ظهور دول قومية “جعلت من الصعب على الكتب السفر عبر الحدود، لأنها إلى حد كبير تُعامل بنفس الطريقة التي تُعامل بها البضائع المستوردة. نتيجة لهذه القيود الصارمة على استيراد الكتب، ازدهرت صناعة سرية تقوم على إنتاج نسخ مزورة، وسيئة دائمًا، من الكتب الأصلية”.
وقال إنه يشعر بـ”حزن شديد” لانخفاض دور نشر كتب الأطفال في المنطقة. وعلى وجه الخصوص، أعرب عن أسفه لاختفاء دار الفتى العربي (1974-1994) ودعا دور النشر إلى التركيز على أدب الأطفال.
ولد مريد البرغوثي عام 1944 في قرية دير غسّانة قرب رام الله بفلسطين. قضى معظم حياته في المنفى وكتب عن هذه التجربة في مذكراته الشهيرة “رأيت رام الله”. كان البرغوثي يدرس في القاهرة عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 ولم يعد إلى مسقط رأسه لمدة 30 عامًا بعدها. استقر في القاهرة مع زوجته، الكاتبة المصرية رضوى عاشور، التي ترجمت العديد من قصائده إلى اللغة الإنجليزية. ابنهما تميم البرغوثي شاعر هو الآخر.
كتب البرغوثي 12 مجموعة شعرية. وترك رحيله حزناً على نطاق واسع في العالم العربي وما وراءه. قال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف إن الفلسطينيين والعرب “فقدوا رمزاً للنضال الوطني والإبداع. البرغوثي كان من المبدعين الذين كرّسوا كتاباتهم وإبداعهم للدفاع عن القضية الفلسطينية وقصة ونضال شعبنا والقدس عاصمة الوجود الفلسطيني”.