على الرغم من أن تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب جو بايدن في 20 يناير 2021 قد لا يكون بنفس أهمية إعادة الانضمام إلى اتفاقيات باريس للمناخ أو إنشاء فريق عمل خاص بكوفيد-19، إلا أن شخصًا ما في فريق الرئيس يجب أن يتولى تخطيط مراسم هذا التنصيب.
في هذا المقال نسلّط الضوء على واحدة من عجائب السياسة الأمريكية، وهي إلقاء الشعر في مراسم تنصيب الرئيس الجديد، وإن كان ذلك لم يحدث سوى خمس مرات وكانت جميعها لرؤساء ديمقراطيين.
كان روبرت فروست ويسبي ذو الشعر الأبيض أول شاعر يلقي الشعر في حفل تنصيب جون إف كينيدي في عام 1961، واستمر هذا التقليد إبان فترة بيل كلينتون (مرتين) وباراك أوباما (مرتين أيضًا). وفي المقابل نجد أن أيًا من الرؤساء الجمهوريين لم يطلب استضافة شاعر على مدى سنوات حكمهم.
في العشرين من يناير 1961 بدأ التقليد – إذا ما أمكن لنا تسميته تقليدًا – المتمثل في دعوة شاعر إلى مراسم تنصيب الرئيس الجديد. وفي ذلك اليوم شديد البرودة، ألقى روبرت فروست من ذاكرته قصيدته الشهيرة “الهدية بصراحة” (The Gift Outright)، بناء على طلب خاص من الرئيس الجديد آنذاك، جون إف كينيدي.
وفي عام 1993، ألقت مايا أنجيلو قصيدتها “على نبض الصباح” (On the Pulse of Morning) في حفل تنصيب بيل كلينتون الأول، ونُشرت لاحقًا في طبعة خاصة من قبل مؤسسة راندوم هاوس للنشر. وفي حفل تنصيب كلينتون الثاني، في عام 1997، ألقى ميلر ويليامز، صديق كلينتون القديم في أركنساس، والذي توفي في عام 2015، قصيدة بعنوان “عن التاريخ والأمل” (Of History and Hope). ثم جاء حفل تنصيب باراك أوباما الأول في عام 2009 ليستضيف الشاعرة الشابة إليزابيث ألكساندر، التي ألقت يومها قصيدة بعنوان “أغنية الحمد لهذا اليوم” (Praise Song for the Day).
وفي حفل تنصيب أوباما الثاني، في عام 2013، أصبح ريتشارد بلانكو أول شاعر لاتيني وأول شاعر مثلي الجنس يلقي قصيدة في حفل تنصيب رئاسي. وقد تميزت القصيدة التي حملت عنوان “اليوم نتوحد” (One Today) بأبيات قوية جذبت مشاعر الجمهور كما لو كانت تحملهم من فوق الأرض.
ومن المحتمل أيضًا أن يستضيف بايدن شاعرًا هو الآخر، أو على الأقل سيكون الشعر جزءًا من المناسبة، فهو المعروف بولعه بالشعر أكثر من أي من أسلافه.
شعراء ديمقراطيون!
ولكن هل يعني ذلك أن كل هؤلاء الشعراء الذين ألقوا الشعر في حفلات تنصيب الرؤساء الديمقراطيين كانوا منتمين فعليًا للحزب الديمقراطي؟ في الواقع، كانت أنجيلو ديمقراطية في الصميم، وكذلك ميلر ويليامز، الذي كان من أبرز أعضاء حملة كلينتون. ولدينا أيضًا من الأسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد أن إليزابيث ألكساندر كانت ديمقراطية هي الأخرى، فقد كانت زميلة لأوباما في جامعة شيكاغو، وكلاهما كان ناشطًا في الحزب الديموقراطي، وكان والداها ناشطين في حركة الحقوق المدنية وذات يوم حملاها وهي ما تزال تبلغ من العمر عامًا واحدًا، لسماع خطاب مارتن لوثر كينج الشهير “لديّ حلم”.
ومن غير المرجح أن يكون بلانكو جمهوريًا، فهو في النهاية عضو مؤسس في المجلس الاستشاري لمؤسسة أوباما. وهكذا لا يبقى من تلك القائمة سوى أيقونة الشعر الأمريكي روبرت فروست. قد يعتقد المرء في البداية أنه لا بد وأنه كان ديمقراطيًا.
لكننا وبالبحث المتعمق في هذا الأمر، وجدنا أن الكاتب جاي باريني قد أشار في كتابة “حياة روبرت فروست” أن الأخير لم يكن معجبًا بما عرف في ثلاثينيات القرن الماضي باسم “الاتفاق الجديد” بشأن تدابير الضمان الاجتماعي التي أدخلها الرئيس الديمقراطي، روزفلت. ولذلك خلص باريني إلى أن فروست لم يكن مناصرًا لفكرة الجماعة والجماهير.
على أية حال، سيكون من السذاجة أن نستنتج من تنصيب ثلاثة رؤساء فقط أن يكون تذوق الشعر حكرًا على الديمقراطيين وحدهم، خاصة إذا ما علمنا أن إدارة رونالد ريغان هي التي ابتكرت منصب “ملك شعراء الولايات المتحدة” في عام 1985.
وأخيرًا، سيكون من المثير للاهتمام أن نعرف الشاعر الذي سيختاره بايدن لتأبين الاحتفال التاريخي لنقل السلطة، ولإلقاء كلمات قد تبعث بالحياة في الوعي القومي الأمريكي. فمن يا تُرى سيغتنم هذه اللحظة ويحاول، على المسرح العالمي، أن يجعلنا جميعًا نعتقد أنه، على حد تعبير هيني مرة أخرى، “يمكن الوصول إلى شاطئ آخر من هنا”؟.