قد يكون الفن بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يعيشون في العالم العربي ترفًا لا يستطيع الكثيرون تحمله أو الانغماس فيه بسبب كثرة القضايا التي تهيّمن على حياتهم اليومية مثل الحروب، والفساد، والصراعات الاقتصادية، والقضايا الاجتماعية بأبعادها المختلفة. لكن ريم نجار، المهندسة المعمارية والمدافعة عن التربية الفنية، ترى أن الفن هو وسيلة للتعبير، وأن الفنانين الحقيقيين لا يتوقفون عن إنتاجهم الفني حتى تحت وطأة الحروب، والفساد، والأوضاع الاقتصادية المتأزمة. فالفن بالنسبة لهم هو طريقتهم للتعبير عن أنفسهم في مواجهة تلك الظروف، باعتباره قوة محفزة تساعد الناس على تخطي ظروفهم على كل مستوى. وانطلاقًا من هذه الرؤية، ركزت نجار في سلسلة كتبها الفنية المنشورة باللغة العربية على الفنان العربي بالكامل. وكان لـ”ناشر” شرف لقاء نجار والتحاور معها حول الفن وسلسلة كتبها ورؤيتها للأطفال العرب، ورؤيتها للفن كمحفز للتغيير.
حصلت نجار على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من كلية الهندسة المعمارية في باريس، ثم ماجستير إدارة الأعمال من الكلية العالية لإدارة الأعمال في بيروت، لتقرر بعد أكثر من عقد من العمل في الهندسة المعمارية، السير وراء شغفها الفني الذي دفعها إلى ابتكار سلسلة كتب باللغة العربية تهدف إلى تأسيس أطفال في سن الدراسة لتشكيل الجيل الأول من الفنانين الشرق أوسطيين في العصر الحديث. تناول الكتاب الأول قصة الفنانة سلوى روضة شقير، ونالت به نجار جائزة أفضل كتاب للأطفال في معرض الكتاب العربي في بيروت 2011. فيما تناول الكتاب الثاني قصة حياة الفنان شفيق عبود وأعماله الفنية، وتعمل نجار حاليًا على تأليف كتابها الثالث ضمن هذه السلسلة المبتكرة.
وبسؤالها عن سبب اختيارها للفن العربي كموضوع لسلسلة كتبها ولماذا كان الأطفال تحديداً جمهورها المستهدف، أكدت نجار أن شغفها بفن الشرق الأوسط الحديث كان الدافع وراء هذا الاختيار، الذي تعزز بلقائها بعض الفنانين العرب ومناقشة أعمالهم معهم. وقد قادها ذلك أيضًا إلى إدراك أن شهرة هؤلاء الفنانين المهمين لم تصل إلا لقلة من الناس، وخاصة المهتمين بالفن. ولذلك قررت تقديمهم إلى جمهور أوسع.
ومضت نجار في شرح كيف أن جيلها لم يحظى بتعليم فني متكامل في المدرسة أو في حياتهم بشكل عام. وقالت: “أردت تعريف الأجيال الشابة بفنانين من المنطقة بطريقة ممتعة وتفاعلية من خلال سلسلة كتب الأطفال التي تقتحم عالم الفنانين وتتناول أعمالهم الفنية بأسلوب شيق”.
كانت سلوى روضة شقير واحدةً من أوائل الفنانين الذين قابلتهم نجار والتي قررت أن تستهل بها كتابها الأول الذي حمل عنوان “قصيدة”. التقت بها نجار منتصف التسعينيات من القرن الماضي وزارت صالتها الفنية عدة مرات. وعن سبب اختيارها لشقير، قالت نجار: “رأيت أنها تمثل ما تطمح إليه الحداثة في الشرق الأوسط”. وتوضح نجار أن شقير: “استخدمت أشكالاً هندسية مستوحاة من بحثها في الفن الإسلامي وكذلك اهتمامها بالتقاليد الأوروبية في التجريد الطليعي كلغة فنية لها، وكانت قادرة على الجمع بين التقاليد الثقافية العربية والأساليب الحديثة”.
يتألف الكتاب من قسمين، الأول تفاعلي، وعنه تقول نجار أنها عملت عن كثب مع المصمم الجرافيكي بسام قهوجي “لخلق نشاط ممتع مثل الرسم أو التلوين أو القواطع بهدف توجيه الأطفال إلى اكتشاف الأعمال الفنية المميزة”. أما القسم الثاني فهو تعليمي بحت حيث يتم تعريف الأطفال على الفنان ودعوتهم لاستكشاف العالم الإبداعي للفنان بطرح موضوعات عدة تمس حياته الشخصية وأعماله الفنية.
وقد شكلت ردود الفعل الإيجابية التي خلّفها كتاب “قصيدة” وتأثيره على الأطفال الذين لا يعرفون الكثير عن الفن العربي، حافزًا كبيرًا لنجار التي قررت بعد ذلك الشروع في تأليف سلسلة كتب تعرض جوانب متعددة من الفنون البصرية في الشرق الأوسط، ليأتي كتابها الثاني بعنوان “عبود”، الذي يتناول أعمال الفنان شفيق عبود ويركز تحديدًا على الرسم الزيتي من حيث التكوين والموضوع ومراحل العمل والأسلوب.
ولد عبود في لبنان وعاش معظم حياته في فرنسا، التي ابتكر فيها لوحات تجريدية غنائية، وعنه قالت نجار أنه “كان حكواتيًا، وروى قصصًا رائعة عن من لبنان الحبيب، تناولت طفولته وقريته وتفاصيلًا من حياته اليومية التي قضاها في ريف لبنان وباريس”. يتناول الكتاب اللوحة الشهيرة التي رسمها عبود وحملت اسم “أضواء مقهى الزيير”، هو مقهى كان يزوره عبود بشكل متكرر.
وبحسب موقع موقع “وورلد ميترز” (Worldmeters)، هناك ما يقرب من 128 مليون طفل دون سن 15 عامًا في المنطقة العربية، وهي منطقة تعاني من الحروب والفساد والأزمات الاقتصادية، وبطبيعة الحال لا يمثل الفن أولوية بالنسبة لهؤلاء الأطفال، لكن نجار التي ترى “في الفن قوة محفزة تساعد الناس على التعامل مع ظروفهم على كل مستوى”، تأمل في تزويد الأطفال بهذه القوة المحفزة لتمكينهم من النمو في بيئة مفعمة بروح التسامح والفن.
ولهذا السبب، تسعى نجار إلى غرس الاهتمام بالفنون في سن مبكرة للغاية لضمان أن تكون الأجيال القادمة أكثر اهتمامًا بالفنون وأكثر تقبلاً لها. لكن الهدف الأسمى الذي تسعى نجار إلى تحقيقه من ذلك هو أن يفخر الأطفال بالتعرف على ثقافتهم وتراثهم الحديث، الذي ترى أنه آخذ في التآكل ببطء من خلال الشكل الحديث للاستعمار.
ريا الجادر