من بين الأسماء التي لا تفقد سحرها عبر العصور، يبرز اسم مريم كأيقونة ثقافية وأدبية تتجاوز حدود اللغة والدين والجغرافيا، فهو اسم يجمع بين التاريخ والوجدان، فيحضر في النصوص المقدسة كرمز للطهر، وفي القصائد كرمز للحب والجرح الإنساني، وفي الروايات كشخصية تعكس صراعات المرأة والمجتمع. لذلك، يبدو اسم “مريم” ليس مجرد دلالة لغوية بل نصاً قائماً بذاته، يفتح أمام الأدباء باباً للتأويل والرمز، ويمنح القارئ شعوراً بالسكينة والحنين كلما تردّد. وربما لهذا السبب أصبح الاسم من أكثر المفردات حضوراً في الأدب الحديث، فهو يجمع بين البساطة التي تقرّب، والعمق الذي يدعو إلى التأمل.
لا يمكن أن نمر على حضور الاسم في الأدب دون ذكر رواية “ألف شمس ساطعة” للكاتب الأفغاني خالد حسيني، حيث تمثل “مريم” إحدى الشخصيات الرئيسة التي تختصر معاناة المرأة تحت وطأة الحرب والظلم الاجتماعي. شخصية “مريم” في الرواية ليست مجرد فرد، بل رمز لآلاف النساء اللواتي عشن على الهامش، لكنها أيضاً مثال للقوة الداخلية القادرة على التضحية والوفاء. وهكذا يتحوّل الاسم في النص إلى ما يشبه القصيدة الطويلة عن الصبر والمقاومة. هذه القدرة على تحويل “مريم” إلى استعارة كونية تؤكد أن الأدب حين يستعير الاسم لا يكتفي بالهوية الشخصية، بل يجعل منه مرآة للتجربة الإنسانية كلها.
أما في رواية “أحلام مريم طير” للكاتبة مهاني علوي، يأخذ الاسم بعداً أسطورياً. فمريم هنا ليست فقط امرأة تبحث عن ذاتها، بل هي أيضاً كيان يحمل ذاكرة جماعية تتقاطع فيها الحكايات العائلية والرموز الشعبية والأساطير القديمة. تنسج الرواية خيوطها بين الحلم والواقع، وتجعل من “مريم” بطلة متكررة عبر الأجيال، كما لو أن الاسم بحد ذاته قدر يتوارثه الزمن. وتكشف هذه المعالجة الأدبية عن قدرة الاسم على احتضان قصص متعددة، إذ يمكن أن يكون في الوقت نفسه امرأة من لحم ودم، ورمزاً أسطورياً يختزن أسئلة الوجود، ما يمنحه خصوصية تميّزه عن غيره من الأسماء.
ويظهر الاسم أيضاً في نصوص مستوحاة من وقائع مؤلمة معاصرة. ففي رواية “الفتاة” للكاتبة الأيرلندية إيدنا أوبراين، تحضر شخصية “مريم” كفتاة اختطفتها جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا. حيث تطرح الرواية معاناتها من العنف والحرمان، لكنها في الوقت نفسه تسلّط الضوء على شجاعتها في مواجهة الواقع القاسي. هنا يغدو اسم “مريم” رمزاً للألم الإنساني، وفي الوقت نفسه لبذرة الأمل التي تنمو في قلب المعاناة. الاسم يتخذ شكلاً توثيقياً تقريباً، وكأن الأدب اختاره ليخلّد صوتاً نسائياً عانى لكنه لم يستسلم.
من خلال كل هذه الأعمال، يتضح أن “مريم” لم يعد اسماً محصوراً في سياق شخصي أو محلي، بل صار علامة أدبية عابرة للحدود. من الشرق إلى الغرب، من النصوص الدينية إلى الرواية الحديثة، ومن الشعر إلى الأغنية، يظل الاسم مادة خصبة للكتابة، ورمزاً متعدد الأبعاد. وربما يكمن سره في تلك الثنائية التي يحملها: الطهر والقوة، الحنان والألم، الفردية والكونية. إن “مريم” في النهاية ليست شخصية بعينها، بل نصاً مفتوحاً يكتب نفسه من جديد مع كل جيل، ويؤكد أن بعض الأسماء تولد لتكون جزءاً من الأدب كما هي جزء من الحياة.



