جعفر العقيلي
“أيها الآخر، كم أحبّك، فأنت تعرّفني بمن أنا ومَن أكون”. هذه العبارة المنسوبة إلى المخرج السينمائي الراحل يوسف شاهين، تُلخّص ما انتهت إليه ندوة عن التسامح وقبول الآخر، أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمهرجان الشارقة القرائي للطفل (2018) وأثراها بالنقاش ثلاثة من المتخصصين في الكتابة للطفل وصناعة النشر، فيما أدارتها الكاتبة والناشرة أمل فرح.
المؤلفة اللبنانية سحر نجا محفوظ، التي كتبت قصصاً عن رسالة الحاجة إلى التسامح وقبول الاختلاف بين الأفراد، وخصوصاً في مكان متعدد الثقافات كالذي تقيم فيه (دولة الإمارات)، أكدت أن من المهم تعريف الطفل بأن هناك مَن هو مختلف عنه؛ وأنها انطلاقاً من ذلك كرست عدداً من إصداراتها لهذه الثيمة، وذلك بعد أن شاهدت كيفية تعاطي الأطفال في محيطها مع المختلفين عنهم؛ باللون أو العرق أو الجنسية أو الدين أو المذهب.
وأقرّت محفوظ من واقع خبرتها واطلاعها، أن هناك دولاً ومجتمعات في العالم تساهم في تعميق مفاهيم العنصرية ورفض الآخر، بينما تحرص المجتمعات العربية على حماية قيم التسامح. وعبّرت عن أملها في أن يحكم الأطفالُ العالم، لأنهم سرعان ما يتصالحون في حال دبّ خلاف بينهم. وهو ما لا يقوم به الأكبر سناً!
صاحبة كتابَي “الزرافة ميليا” و”حروفي الراقصة” (وهما عن شخصيات مختلفة عن الآخرين، تحاول بكل ما بوسعها أن تنسجم مع محيطها(، أشارت إلى الواجب الذي ينبغي أن يضطلع به الأبَوان في توجيه ابنهما، ومساعدته للعيش في بيئة تتسم بالتنوع والاختلاف. ملقيةً بعض المسؤولية على المؤسسات التربوية والثقافية العربية، وكذلك وسائل الإعلام، لعدم إيلائها ها الأمر ما يستحقه من عناية واهتمام.
وطرحت محفوظ سؤال الهوية، وإلى أي مدى يمكن الاندغام بالآخر، وهل يمكن أن تبلغ حدودُ التسامح التخلّي عن سمات الذات والتفريط بـ”الأنا”. ورأت في سياق متصل أن من الجيّد أن يعرف الإنسان حدود قدراته، وأن يختطّ لنفسه طريقة في التعامل مع الآخر قبل أن يكتشفه.
ولفتت إلى أن الوالدَين أحياناً يجعلون طفلهم يندمج مع سواه من دون تفكير بالعقبات أو المخاطر. موضحةً أن المطلوب من الأهل أن يتيحوا للابن مساحة لاختيار علاقاته دون تحكّم أو تقييد، وأن يكتفوا بالمراقبة والتوجيه في حال دعت الحاجة.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات حيث تقيم وتعمل، تمثل أنموذجاً جديراً بالاقتداء في مجال التعايش والتسامح وقبول الآخر، فعلى أرض هذه الدولة يقيم ويعمل بشر ينتمون إلى حوالي 200 جنسية، جميعهم متساوون تحت مظلة القانون، وجميعهم يتلقّون المعاملة نفسها.
من جانبه، أكد المدير العام لمجموعة “كلمات” للنشر تامر سعيد، أن “كلمات” لا تؤمن بفكرة الحدود وأن رسالتها موجّهة للإنسانية.
وقال إن التفكير منذ بدأت “كلمات” في عام 2008، كان يدور حول المهمة التي ينبغي أن يتصدى لها هذا المشروع، فهي مطالَبة بتقديم المختلِف، بحثاً عن التميز ومن أجل تشكيل حضورها الخاص على الساحة.
وكشف أن فريق المجموعة أبدى شيئاً من التردّد لخوض تجربة تنطوي على مغامرة عربياً، وذلك بطرح موضوعات وقضايا مرتبطة في الأذهان بـ “التابو”، لكن القرار اتُّخذ في النهاية لصالح المغاير وغير الدارج، وهو ما حقّق للدار انتشارها واتساع رقعة قرائها والمتعاملين معها.
وأوضح أن المجموعة تتعامل مع هذه الموضوعات من زاوية مختلفة، فلم يكن الهدف مثلاً أن يقال للطفل إن هناك شخصاً مختلفاً في محيطه، وإنما كيف يتغلب على الإشكاليات التي قد تواجهه خلال المعايشة.
ورأى أن الطفل يحتاج إلى تعريف مَن أو ما هو مختلف، وأن سؤال الطفل لا يتعلق بقبوله أو رفضه الاختلاف، وإنما بسبب هذا الاختلاف، أي أن كل ما يحتاجه هو التفسير. وهو ما تكفّلت إصدارات “كلمات” في الإجابة عنه عبر باقة من الإصدارات التي روعي فيها معايير صارمة تربوياً وقيمياً لتعزيز فكرة الإنسانية الجامعة لدى الطفل.
وأعرب تامر سعيد عن اعتزازه لأن “كلمات” أولت هذا الأمر عنايتها، وهو ما أثمر أكثر من 60 كتاباً عن الاختلاف. مشدداً على أن “كلمات” أصبحت منصة أساسية لانطلاق الكتّاب والمؤلفين إلى العالمية، وإتاحة أعمالهم للترجمة إلى لغات أخرى، عبر شراكات متجددة مع كبريات دور النشر ومؤسسات صناعة الكتاب.
وأقرّ مدير عام “كلمات” أن جيل الآباء أكثر احتياجاً لـ”تصحيح النظرة” تجاه الآخر/ المختلف. وأن كثيراً من المفاهيم لا يمكن للطفل تشكيلها بمفرده، فالآباء عبر سلطتهم يقررون أن يشتري الابن هذا الكتاب أو ذاك، وهو ما يتكرر في المدرسة عبر أمين المكتبة، وكذلك في المناهج عبر القائمين على تلك المناهج.
وختم تامر سعيد حديثه بتاكيده أن سرّ الحياة يكمن في الاختلاف وليس في التشابه.
أما الكاتب الأمريكي “دانيال إهرينهافت” فأكد أن التعصب من شأنه أن يهدم كل الجسور بين البشر، وأن الكتب والقصص تسهم إلى حد كبير في التعريف بثقافة الآخر المختلِف ومعتقداته وألوب حياته، ما يمهّد الطريق أمام “تقبّله” وتقبّل فكرة التعايش معه، فوق أرض واحدة وتحت سماء واحدة.
وقال إن أجيال اليوم أكثر تسامحاً من جيل الآباء، وإن روايته الموجهة لليافعين “مرشِّحات الحب والكراهية” تأتي في هذا السياق، عبر تركيزها على مراهقين مسلمين يعيشون في المجتمع الغربي، لتذكير هذا المجتمع أن البشر متساوين، وأن هناك أحكاماً وتصورات مسبقة لا بد من العمل على تغييرها لتنجو البشرية.