Home 5 أحداث و معارض 5 ( قراءة تأويلية في رواية إهانة غير ضرورية لإياد عبد الرحمن ) 

( قراءة تأويلية في رواية إهانة غير ضرورية لإياد عبد الرحمن ) 

بواسطة | نوفمبر 7, 2023 | أحداث و معارض, أخبار, المراجعات

في مواجهة إهانات العالم

لطالما شدتني الأعمال الأدبية التي تنحاز فيما تتناوله لبشر الهامش، ففي الوقت الذي نعيش فيه احتفاءً متواصلاً بالإنجازات الكبرى و البطولات الحقيقية والزائفة وكل ما هو ساطع ومبهر، يأتي أدب الهامش ليحتفي بهشاشتنا المشتركة، تلك الصدوع التي تترك أثرها على أرواحنا قبل الأجساد وتوحدنا بذلك، إنه الضعف الجوهري، الذي يمكن إنساناً يعيش في المملكة العربية السعودية، بأن يلتقي بشخص آخر في كوستاريكا على سبيل المثال، ومن هنا كانت النقطة الأولى التي أسجل فيها اهتمامي بعمل السعودي إياد عبد الرحمن ” إهانة غير ضرورية” الصادرة عن منشورات تكوين الكويت في ٢٠٢٣. 

 

تأخذنا إهانة إياد غير الضرورية إلى عالم هامشي شديد الضآلة هو عالم الحبشي “آدم” الذي تقوده الظروف التاريخية لأن يكون “آغا” في “مكة” و “المدينة المنورة”  ولمن لا يعرف هذا المصطلح، فإن سلالة الأغوات المكية، هي سلالة من الرجال المخصيين من ذوي الأصول الأفريقية الذين امتهنوا جيلاً بعد آخر خدمة المتعبدين في الحرمين المكي والمديني المقدسين بدايةً من ١١٦١ م حتى وقت حديث نسبياً هو العام ١٩٧٩ م ، وهو شرفٌ وللمفارقة كما يشير العمل قائم على رحلة مريرة من العذابات بدءاً من عذاب الجسد، مروراً بعذاب الرحلة من وطن إلى مقام أبدي جديد، بينهما بحار وموت وامتهان وانعدام لأبسط الحقوق الإنسانية الممكنة، أما ما هي دلالة الإخصاء هنا؟، فبالتوازي مع كثير من المراجع التاريخية التي تربط  إخصاء الخدم الذكور بالتأكيد على الإخلاص للمخدوم من حيث الانصراف عن كافة الشهوات نحو الخدمة والتبتل هنا في خدمة ضيوف الرحمن، تأتي الرواية لتقدم مفارقة مهمة حول ماهية الإخصاء وسؤال الجنسانية، هل هو جسدي أم نفسي؟

 

تكشف الرواية أيضاً فيما تكشف، عالماً موازياً، هو عالم الفقر المدقع، الذي يتقاطع بشكل عكسي وللمفارقة الشديدة مع التطور الباذخ للمكان المحيط، الذي شهد كغيره من مناطق الخليج وشبه الجزيرة نتائج الطفرة النفطية وتحولاتها، فأنت تحس بالجوع وتتشارك الرطوبة العطنة للمساكن العشوائية والتكدسات البشرية والاختراقات غير القانونية، التي يبررها ضعفٌ قد وصل لأهله إلى القاع ومع انعدام الحيلة، فيأتي الاحتيال ليكون سيد الموقف.. كما أنها تكشف في موقع آخر عن تحول الضحية التاريخية إلى جلاد بدورها، ونحن نمر بالعقوبة الشنيعة التي أقدم عليها بعض الأغوات تجاه ذلك الشيخ الذي ادعى أنه مخصي، لتنطلق بعدها رحلة طويلة نحو المعنى  يشارك فيها “آدم” ذلك الشيخ في ارتحاله وبحثه، ويدرك من جديد هوية أخرى له، هي آدم بمعزل عن عالم الأغوات، هوية متمردة لطالما حاول ذلك العالم القسري لجمها، إلا أن ذلك المعنى يتفتت في الوصول أخيراً لتلك النهاية العبثية لمصير الشيخ مدعي الإخصاء وعائلته، الأمر الذي يجعل “آدم” هنا يدخل في حالة من الاستسلام الممتد لفكرة اللاجدوى ،هذا الاستسلام الذي يتصاعد تدريجياً وهو يروي حكايته من وسط حطام منزله وسط سيول مدينة “جدة”، محاولاً أن ينجو بحياته قبل تلك النهاية الديسوتوبية، في رمزية لما تسحقه المدن اليوم في بشر الهامش بالمعنى الحرفي والمجازي.. بالإضافة إلى سؤال مرعب يتردد صداه في روحك حتى بعد ترك العمل، فهل كان كل ذلك ضرورياً حقاً؟  وهل كان كل ذلك هو امتهانٌ فرداني لبطل الرواية؟ أم أنها إهانتنا جميعاً نحن الذين نتابع بصمت، وبدون استنكار. 

 

نعود من جديد إلى رمزية الإخصاء، فهل تحدث الجنسانية في الذهن ؟، هذه نقطة مثيرة للاهتمام تستعرضها الرواية مع تطور الشخصية الرئيسية مع إدراكها لفكرة الجسد المخصي، باختفاء مكمن الذكورة كما يشير التشريح البيولوجي ومكمن الرجولة كما يعتقد المجتمع، إذ تأخذ شخصية “آدم” على عاتقها إبراز ذلك من خلال الربكة التي يدخل فيها الذهن والجسد بين المشاعر الجياشة تجاه تلك الفتاة بمفهوم عذري ساذج للحب، كما يدرك لاحقاً متى ما حصل الصدع بينه وبين تلك الفتاة باعترافه الذي باغتها، ثم تلك الربكة الأكبر وهو يحار بين الجسد وثورته في علاقته مع “راجح” وبين المشاعر المربكة التي تكونت تجاهه لاحقاً بشكل لا منطقي كما هو عرف المجتمع ،ومن هنا قد يُطرح سؤال مهم : هل كانت مثلية البطل ضرورية؟، وهل هي مثلية ذهنية واعية أم أنها نتاجٌ لذلك العنف القسري الذي مورس على الجسد، في الحقيقة ليست هناك إجابة واحدة لذلك، وهو ما أحبه دائماً في الأعمال التي تطرح أسئلة جوهرية قابلة للتأويل كهذا العمل، لكن هناك إحالات في بعض التفاصيل جعلتني أعود إلى سؤال الفرنسي ميشيل فوكو فيما طرحه حول تاريخ الجنسانية وشكلها الأحادي، وعن مدى الفصل الحقيقي بين اللذة الجسدية والأخرى الذهنية وفي أي مرحلة تاريخية تحديداً حصل ذلك الافتراق، ناقش فوكو ذلك منطلقاً من التاريخ المسيحي، لكن أظننا ونحن نتقاطع مع هذه المفارقات حول الجنسانية في هذا العمل فإننا نعود بالفكرة إلى جذرها الإنساني.. و”آدم” يمزج اللذة بالشعور ويخشى ذلك..  ومتى ما تعاظم ذلك الارتباك في الداخل والخارج، كان من الضروري أن يحدث البتر في العلاقة بينه وبين “راجح”، على الرغم من أن اللقاء بينهما هو أكبر من لقاء جسد بجسد، بل هامشٌ يجد وطنه في هامش آخر، ولأنهما معاً لا يفهمان إلا مرجع التاريخ والمجتمع، كان من الصعب أن يستمر ذلك اللجوء المتبادل بينهما.  

 

هناك جانب آخر تجب الإشارة إليه لأنه يحسب للعمل، إذ أنه لا يكفي لتطوير عملية السرد العربي، أن نكتفي بعرض حكاية لافته ومثيرة للجدل نسبياً، فعلى التوازي من ذلك، يجب أن يتم الكشف عن بناء سردي ولغوي فريد ، وهذا ما وفق “إياد” في العمل عليه، فالحكاية اللافتة رافقها ذلك البناء السردي غير المألوف والذي يبقيك مشدوداً حتى النهاية، بينما جاءت اللغة سليمة في مجملها، بخلو من الحشو والزوائد بنسبة كبيرة، لكن إن كان هناك مأخذ صغير فقد يكون في التشتت أحياناً بين صوت الراوي الطفل والآخر الشيخ في بداية العمل، الأمر الذي تجاوزه إياد بشكل جيد مع انتصاف العمل وصولاً للنهاية البارعة.

 

إن عمل “إهانة غير ضرورية” وبالمجمل هو أحد تلك الأعمال السعودية الجديدة التي أتت لتجيب على سؤال بقي يلح ببالي مؤخراً في ظل التحولات الجديدة التي تشهدها المملكة السعودية، فبعد انتهاء الصراع التاريخي بين الصحوة والانفتاح – كما نأمل- والذي كتب عنه كثيراً في الأدب السعودي بضمنيات كثيرة، ماذا بعد؟ وماذا قد تقدم لنا الكتابة السعودية الجديدة في حسها الإبداعي والإنساني والنقدي؟، على الرغم من أن الرواية لم تطرح بشكل واضح التحولات السياسية الكبرى للمكان وهو ما أراه جاء تأكيداً لهامشية البطل المنفصلة عن المكان الأكبر.. والذي يفتح من جديد أفق هذا العمل على أن حكايات الهامش التي ضاعت في ظل الصراعات الكبرى وأشكالها، قد جاء وقت الكتابة عنها بكل تجرد وصراحة، لأن أسئلة المرحلة الجديدة، تستوجب بدورها أسئلة جديدة مختلفة في الشكل والمضمون عن جميع ما سبق، وهو ما سيعكس بدوره الاستمرار الحضاري الحقيقي لتطور أي مجتمع ومكان ،في لغته وأفكاره ومروياته المتطورة.  

 

أخبار حديثة

20نوفمبر
معرض الكويت الدولي للكتاب بنسخته ال47: احتفال ثقافي

معرض الكويت الدولي للكتاب بنسخته ال47: احتفال ثقافي

افتتح معرض الكويت الدولي للكتاب أبواب دورته الـ47 التي تتواصل حتى مساء 30 نوفمبر 2024 بمشاركة 544 ناشراً من 31 دولة عربية وأجنبية، تحت شعار “العالم في كتاب”، وسط احتفاء كبير من محبي القراءة في الكويت بهذا الحدث الثقافي الكبير الذي يستمر على مدى 11 يوماً.   وأكدت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة […]

18نوفمبر
سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

ضمن جلسة حوارية نظّمها “رواق- الحواجز” في الدورة الثالثة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، ناقش الروائي الكويتي سعود السنعوسي، ثلاثيته الروائية “أسفار مدينة الطين”، التي تتناول بصورة فنتازية مرحلة ما قبل النفط في الكويت، حيث يروي تفاصيل مهنة الصيد على سواحل الكويت وبيوت الطين وموانئ الصيد.   وقال سعود السنعوسي خلال الجلسة التي أدارتها […]

18نوفمبر
أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أكدت الشاعرة الإماراتية أمل السهلاوي أن الإبداع لدى الشعراء ينبع من القراءة في عمر مبكر، مشيرة إلى أن القراءة تخلق عالماً آخر في وعي الإنسان وتعطيه إمكانيات مذهلة، لكن القراءة وحدها لا تصنع وعياً، حيث يبقى القارئ حبيس الكتب وأفكار الكتّاب، ولكي يصنع الإنسان وعيه الخاص وطريقته في الحياة، يجب أن يعيش وينغمس في الحياة […]

Related Posts

سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

سعود السنعوسي: الرمزية وليدة الرقابة

ضمن جلسة حوارية نظّمها "رواق- الحواجز" في الدورة الثالثة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، ناقش الروائي الكويتي سعود السنعوسي، ثلاثيته الروائية "أسفار مدينة الطين"، التي تتناول بصورة فنتازية مرحلة ما قبل النفط في الكويت، حيث يروي تفاصيل مهنة الصيد على سواحل...

أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أمل السهلاوي: الحياة أبعد من الكتب

أكدت الشاعرة الإماراتية أمل السهلاوي أن الإبداع لدى الشعراء ينبع من القراءة في عمر مبكر، مشيرة إلى أن القراءة تخلق عالماً آخر في وعي الإنسان وتعطيه إمكانيات مذهلة، لكن القراءة وحدها لا تصنع وعياً، حيث يبقى القارئ حبيس الكتب وأفكار الكتّاب، ولكي يصنع الإنسان وعيه الخاص...

معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024: دور المرأة في المشهد الأدبي الإماراتي

معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024: دور المرأة في المشهد الأدبي الإماراتي

أكدت كاتبات إماراتيات خلال مشاركتهن في جلسة نقاشية ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024، على أهمية الكتابة السردية النسائية في إبراز الهوية الثقافية لدولة الإمارات، ودورها في تقديم تجارب أدبية تعكس التنوع المجتمعي وتسهم في بناء جسور التواصل الثقافي، مشيرات إلى...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this

Pin It on Pinterest