في الوقت الذي يواجه فيه العديد من الناشرين صعوبات متزايدة في إدارة أعمالهم بأسلوب يجعل منها مشاريع تجارية ناجحة تحقق لهم ربحاً مستداماً، تتبع دار نشر صغيرة في أيسلندا أسلوباً غريباً وفريداً من نوعه في مجال طباعة ونشر الكتب يجنبها عناء القلق بشأن مواجهة تلك الصعوبات التي تعاني منها دور النشر الأخرى بفضل كونها عملاً لا يهدف للربح أصلاً.
وتطبع دار نشر “تونجليو”، والتي يعني اسمها “القمر” باللغة الأيسلندية، كتبها في طبعات تتألَّف الواحدة منها من 69 نسخة فقط، وتبيعها في مراسم خاصة يجري تنظيمها ليلة اكتمال القمر، وإذا حدث وتبقت بعض النسخ ولم يتم بيعها، فإن الدار تقوم بحرقها ولا تعرضها مرة أخرى للبيع.
ويؤمن مؤسسا ومالكا دار “تونجليو” والموظفان الوحيدان فيها، الكاتب داغر تشاختارسون الذي تم اختياره في قائمة المرشحين لجائزة الاتحاد الأوروبي للآداب عن روايته “اعتراف الحب الأخير”، والشاعر ومصمم رسوم الغرافيك والحائز على الجائزة المذكورة رانجر هيلغي أولافسون، بأنه بدلاً من إنفاق الكثير من الأعوام في طباعة وتوزيع ونشر الكتب، فإن ليلة واحدة عظيمة تشهد ميلاد الكتاب ومؤلفه، ثم تعود الحياة إلى طبيعتها في صباح اليوم التالي.
ويشير تشاختارسون وأولافسون إلى أن عملية حرق نسخ الكتب غير المباعة ليس لها أية دوافع تاريخية أو رقابية أو سياسية، لكنهما في الوقت ذاته يعترفان بأن هذا الأمر يُفيد صناعة الطباعة والنشر بشكل عام، لاسيما في ظل توجه صناعة النشر إلى تحويل الكتب إلى سلع فاخرة؛ أي إلى شيء قيمته تساوي ثمنه وليس محتواه.
ويوضح مالكا ومؤسسا دار النشر الصغيرة أن أسلوبهم الغريب في طباعة ونشر الكتب يحمل رسالة أخرى، حيث يقولان أن العديد من الكتاب والمؤلفين يسعون جاهدين، وهذا يبدو أمراً مفهوماً للكثيرين، إلى إنتاج أعمال أدبية تظل باقية في أذهان القراء، ولكن هناك بعض الكتاب يخلطون بين فكرة إنتاج الروائع التي تظل باقية في أذهان الناس وبين محاولة تخليد أسمائهم من خلال أعمالهم الأدبية. ويدرك كلاهما جيداً أن صناعة النشر عمل تجاري ينطوي على الكثير من المخاطر وأن دور النشر الأيسلندية معرضة لمواجهة مثل تلك المخاطر.
وبالرغم من أن المخاطر التي تحيط بأسلوب عمل دار نشر “تونجليو” تبدو بعيدة للغاية، يقول تشاختارسون: “لم يظهر على الساحة الأدبية في أيسلندا عدد كبير جداً من المؤلفين الجدد في الأعوام القليلة الماضية، كما أنني لست على يقين من أن اللوم في ذلك يقع بالكامل على دور النشر، حيث أنه ينبغي على الكتاب والمؤلفين الشباب أن يكونوا أكثر جرأة، وأن ينتجوا المزيد من المؤلفات والكتب، وأن يكونوا على استعداد لمواجهة المزيد من المخاطر”.