كان عام 2020 لا مثيل له: فيروس معدٍ، وإغلاق عام، وخسائر اقتصادية، ومصاعب جمة طالت حتى قطاع النشر في مختلف أنحاء العالم، وإن كان ثمة بعض الأخبار المفرحة وسط كل ذلك.
انطلقت الأحداث “المؤلمة” قبل بداية العام، ففي 30 ديسمبر 2019 توفي سوني ميهتا، رئيس تحرير مجموعة كناوبف Knopf للنشر عن عمر يناهز 77 عامًا متأثراً بمضاعفات الالتهاب الرئوي. وعلى الرغم من أن الوفاة لم تكن مرتبطة بـ”كوفيد-19″، إلا أنها بدت كأنها تحذير بعد فوات الأوان.
شهد شهر فبراير أول خبر لشيء سيصبح شائعًا: أعلنت وزارة الثقافة في تايوان تأجيل معرض تايبيه الدولي للكتاب، قائلة: “أعرب الناشرون التايوانيون عن مخاوفهم بشأن فيروس كورونا الذي يؤثر على حضور القراء ومشاركتهم”. هذا التأجيل تزامن مع بدء الاستعدادات لإقامة حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة التميز الدولية لمعرض لندن للكتاب، الذي أدرجت فيه “المكتبة اليمنية” ضمن القائمة المختصرة لأول مرة.
في الشهر التالي، أصبحت خطورة جائحة “كوفيد-19” واضحة مع إعلان “ووترستونز” Waterstones و”بلاكويل” Blackwells إغلاق جميع متاجرهما. وبسرعة مخيفة، أصبحت قائمة الفعاليات الملغاة والمؤجلة – بما في ذلك معرض لندن للكتاب – وجولات المؤلفين والإطلاق والمهرجانات، مألوفة بشكل محبط.
في أبريل، رضخ جيمس داونت، الرئيس التنفيذي لشركة “بارنز آند نوبل” لحتمية إغلاق 400 فرع من بين 627 فرعاً تمتلكها سلسلة المكتبات الشهيرة، قائلاً: “هذا وضع مدمر نجد أنفسنا فيه ونتفهم الآثار الشخصية لمثل هذا الإجراء”. بالتزامن مع ذلك، بدأت المزيد من الإحصاءات القاتمة بالظهور حول العالم. في الصين، انخفضت المبيعات في المكتبات الكبيرة بأكثر من 60% بين يناير ومارس. وفي روسيا، خسرت صناعة الكتاب أكثر من 680 مليون دولار أمريكي، وكان معظم الانخفاض ناتجًا عن إغلاق المكتبات التي تمثل حوالي 80% من المبيعات.
شهد شهر يونيو ردًا غاضبًا من الاتحاد الدولي للناشرين على محاولة الرئيس الأمريكي ترامب منع “سايمون آند شوستر” من نشر كتاب جون بولتون “الغرفة التي شهدت الأحداث” The Room Where it Happened. فيما نشرت مجلة “هاربر” Harper رسالة تأسف فيها لظهور “ثقافة الإلغاء”، مُوقعة من قبل العديد من الكُتّاب، من بينهم جيه كيه رولينج، وسلمان رشدي، ومارجريت آتوود.
تقرير اتحاد الناشرين الأوروبيين حول تبعات أزمة “كوفيد” على سوق الكتب، الذي نُشر في أغسطس، تضمن عبارات قوية: “كان التأثير على المبيعات فوريًا ودراماتيكيًا، وكان التأثير المخيف على الطلب واضحًا: انخفضت المبيعات في المكتبات في أي مكان بين 75% و 95% في معظم البلدان التي تم فيها الإغلاق”.
في الرابع من أغسطس دمر انفجار ضخم في ميناء بيروت العديد من المكتبات ومخازن الكتب في المدينة. وفي سبتمبر، وجهت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيس الاتحاد الدولي للناشرين (2021-2022)، ورئيس اللجنة الاستشارية للشارقة العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019، بترميم وتطوير عدد من المكتبات التي تضررت جراء انفجار بيروت، وقالت: “تتوازى ضرورة الاهتمام بمكتبات ومراكز الثقافة اللبنانية مع ضرورة رعاية الحالات الإنسانية التي خلّفها انفجار بيروت، ففي الوقت الذي نقف إلى جانب المتضررين بأعمالهم وبيوتهم، يجب علينا ألا ننسى الوجه الحضاري للمدينة، وألا نغفل عن القيمة التي تحملها مكتباتها ومعارضها الفنية ومؤسساتها الإبداعية؛ فعودة هذه المؤسسات والمراكز إلى الحياة من جديد يمنح اللبنانيين القوة ليواصلوا نهوضهم، ويحفظ لنا تاريخ لبنان الثقافي العريق”.
أقيمت الدورة التاسعة والثلاثون من معرض الشارقة الدولي للكتاب كما هو مخطط لها، وشهدت مشاركة 73 دولة يمثلها 1024 عارضاً. وبث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الأمل من خلال تقديمه مكرمة بمبلغ 10 ملايين درهم لشراء الكتب لمكتبات الشارقة، وإعفاء دور النشر المشاركة من رسوم المعرض.
في نوفمبر أصبح الخمسة الكبار في سوق النشر أربعة مع استحواذ “بيرتلسمان” على “سايمون آند شوستر”. في الوقت نفسه، أعلن الاتحاد الدولي للناشرين عن اختيار امرأتين لقيادته لأول مرة في تاريخه الممتد على مدى 124 عامًا. ومن المقرر أن تصبح الشيخة بدور القاسمي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلمات، وكارين بانسا، مالكة ومديرة النشر في دار جيراسول برازيل ايديكوس، المتخصصة في نشر كتب الأطفال في ساو باولو بالبرازيل، رئيسًا ونائبًا لرئيس الاتحاد على التوالي لدورة عامي 2021-2022.
هدية نهاية العام تمثلت في بدء وصول لقاحات كورونا إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة والعديد من دول العالم. ميريل هولز، مديرة جمعية بائعي الكتب في المملكة المتحدة أكدت أن الدرس الأكبر الذي تعلّمه العالم من هذه الجائحة هو أننا أصبحنا أكثر تقديراً لبعضنا البعض، وللإنسانية، والمجتمع، وللكتابة أيضاً. وأضافت: “في الفترة القادمة، سيكون هناك الكثير من العناق والكثير من الدموع. قد نتمكن من بيع مليار كتاب عندما تفتح المكتبات في العالم أبوابها بشكل كامل”.
رغم هذا التفاؤل، يدرك الجميع أن هناك المزيد من الآلام والخسائر التي سنتحملها قبل أن تعود الحياة إلى سابق عهدها مجدداً.