Home 5 مقالات و تقارير 5 وريثة الواقعية السحرية: هل حافظت إيزابيل الليندي على شعلة ماركيز؟

وريثة الواقعية السحرية: هل حافظت إيزابيل الليندي على شعلة ماركيز؟

بواسطة | يونيو 30, 2025 | مقالات و تقارير

لم يكن غابرييل غارسيا ماركيز مجرد روائي قدّم أدباً جميلاً، بل شكّلت أعماله لحظة فاصلة في السرد العالمي، إذ حوّل الواقعية السحرية من ظاهرة محلية إلى تيار أدبي عالمي. وبينما كان تأثيره يزدهر في ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت إيزابيل الليندي كرؤية موازية، تحمل المفردات ذاتها، من السحر والذاكرة، إلى الواقعية والعائلة، لكنها أعادت توجيهها من منظور نسوي وتجربة تشيلية خاصة. لكن، وبعد عقود من حضور ماركيز الطاغي، هل استطاعت الليندي أن تحافظ على روح الواقعية السحرية؟ وهل لا تزال هذه الروح تجد صدىً في عالمنا المعاصر؟

 

حين نشرت إيزابيل الليندي روايتها الأولى “بيت الأرواح” عام 1982، ظن البعض أنها تسير على خطى ماركيز، الذي نال نوبل في العام ذاته. لكن سرعان ما اتضح أن ما تكتبه ليس استنساخاً لنموذج أدبي بدأ يشهد حضوراً وانتشاراً، بل تفكيكاً من الداخل لنسق الواقعية السحرية، وإعادة تشكيله عبر منظور أنثوي. ففي عالمها الروائي، لا تأتي الأعاجيب من الميثولوجيا فحسب، بل من الذاكرة الجريحة، والصمت العائلي، وتلك الطبقات الخفية من التاريخ التي تهمّشها الرواية الرسمية.

 

قدّمت الليندي الواقعية السحرية بوصفها وسيلة لقراءة ما لا يُقال، خاصة في سياق أميركا اللاتينية التي أنهكتها الانقلابات والقمع والتغييب. ففي روايات مثل “ابنة الحظ” و”صورة عتيقة”، لا يكون السحر منفصلاً عن التاريخ، بل مرآة باهتة له، أو ربما طريقاً لتجاوزه نفسياً وإنسانياً. واللافت في سردها أنها تجعل العجائبي جزءاً من الحياة اليومية، كأن العجب ليس خارقاً بل مألوفاً، متجذّراً في بنية الشعور والعائلة والمجتمع.

 

ومع تغيّر مزاج القارئ العالمي، وبروز تيارات جديدة من السرد الواقعي الحاد، والخيال العلمي، وأدب ما بعد الحداثة، تراجعت الواقعية السحرية من صدارة المشهد إلى موقع أكثر هامشية وتأملاً. ولم تعد الأعاجيب قادرة على إدهاشنا بالطريقة ذاتها، وقد لا نحتاجها كما في السابق لتفسير تعقيدات العالم. حتى الليندي نفسها، في رواياتها الأحدث مثل “فيوليتا”، تنزع نحو النَفَس التاريخي والسير الذاتية، كأنها تُقر ضمناً أن السحر قد أتم دوره، وآن أوان التوثيق.

 

ومع ذلك، فإن أثر إيزابيل الليندي لا يُقاس فقط بقدرتها على استحضار الواقعية السحرية، بل أيضاً باستمراريتها كصوت أدبي نسائي عالمي. إذ إن الواقعية السحرية لم تكن غايتها، بل أداتها الأولى، وهي الآن تنتقل بسلاسة إلى أدوات أخرى لا تقل تأثيراً. فالقارئ في أعمالها لا يبحث عن الدهشة فحسب، بل عن العمق، أو عن لمسة إنسانية تجعل من التفاصيل اليومية لحظة تأمل فيما هو أبعد من الواقع.

 

ولعل السؤال الحقيقي ليس “هل تراجعت الواقعية السحرية؟” بل “هل تراجعت حاجتنا إليها؟”، ففي عالم يتصدّره الحضور الرقمي والصراعات المباشرة، قد تبدو الواقعية السحرية ترفاً جمالياً، على الأقل في عالم الأدب، لكنها تظل قادرة، حين تُكتب بصدق، على أن تذكّرنا بأن الحياة لا تُختصر فيما يُرى، وأن الذاكرة، والحنين، والحب، والخسارة، كلها مداخل صالحة للسحر الأدبي. وفي هذا السياق، تظل إيزابيل الليندي، حتى بعد ماركيز، شاهدة على أن الرواية ما زالت تملك القدرة على أن تهمس حيث يعجز الواقع عن الكلام.

 

أخبار حديثة

25نوفمبر
آلاف العناوين تتألق في معرض الكويت الدولي للكتاب

آلاف العناوين تتألق في معرض الكويت الدولي للكتاب

تتواصل فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب وسط حضور لافت من دور النشر العربية والأجنبية، التي بلغ عددها أكثر من 611 دار نشر تمثّل 33 دولة، حيث تبدو أروقة المعرض كأنها خريطة واسعة للمعرفة، تتقاطع فيها العناوين الجديدة مع الإصدارات الكلاسيكية، وتختلط فيها الكتب العلمية بالروايات والتاريخ والفنون. ومع مئات الآلاف من العناوين المعروضة، يجد القارئ […]

24نوفمبر
بيع نسخة نادرة من سوبرمان بـ9.12 مليون دولار

بيع نسخة نادرة من سوبرمان بـ9.12 مليون دولار

في واقعة تبدو كأنها خارجة من صفحات القصص المصوّرة نفسها، تحوّلت علّية منزل قديم في شمال كاليفورنيا إلى كنز ثقافي بعد العثور على نسخة نادرة من العدد الأول لمجلة “سوبرمان” الصادرة عام 1939. وقد جرى بيع هذه النسخة مؤخراً في مزاد علني مقابل 9.12 ملايين دولار أمريكي، لتُصبح أغلى مجلة قصص مصوّرة بيعت في التاريخ، […]

18نوفمبر
ضيف عمره 4 قرون في قلب أبوظبي

ضيف عمره 4 قرون في قلب أبوظبي

تشارك دار “بيتر هارينغتون”، إحدى أبرز دور الكتب النادرة بالعالم، في فعاليات معرض “فن أبوظبي” الذي يقام في الفترة من 19 إلى 23 نوفمبر 2025 في منارة السعديات، بعرض النسخة الأولى من أعمال شكسبير الكاملة للبيع في المعرض، والتي تشكّل أحد أهم الكنوز الأدبية في التاريخ الحديث والمُقدّر سعرها بـ 4.5 مليون جنيه إسترليني (نحو […]

Related Posts

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

في عالم يزدحم بالعلامات التجارية والأسماء اللامعة، تبقى "فالنتينو" استثناءً فنياً نادراً، فهذه العلامة الإيطالية اللامعة ليست مجرد دار للأزياء والموضة، بل رؤية ثقافية وفكرية للجمال الإنساني، حيث يتجاور الخيط مع الفكرة، ويتحوّل القماش إلى استعارة للذات، كما يتحوّل النص...

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

  حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟   في كل حقبة من التاريخ، كان السفر فعلاً يفتح الآفاق، لكن الكتب كانت دائماً البوصلة التي تمنح الرحلة معناها وتوجّه خطوات المسافر. فأدب الرحلات لا يكتفي بوصف الأمكنة، بل يصوغ صورة متخيَّلة لها، قد تبدو في...

من إستونيا إلى آيسلندا.. حكايات لغات صغيرة تتحدّى الذوبان

من إستونيا إلى آيسلندا.. حكايات لغات صغيرة تتحدّى الذوبان

تتعرّض اللغات الصغيرة، أو تلك التي يقتصر عدد متحدثيها على بضعة ملايين فقط، إلى ضغط متزايد في ظل العولمة الثقافية وهيمنة اللغة الإنجليزية في النشر، والتعليم، والإعلام. فالحضور الطاغي للإنجليزية لا يهدّد التواصل اليومي فحسب، بل يطال صناعة الكتاب ذاتها، حيث تتأثر خيارات...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this