لم تجد بعض الكلمات الرئيسية في المؤتمر الإقليمي للاتحاد الدولي للناشرين الذي عقد في الأردن نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر 2019 أصداءً إيجابية في أوساط الجمهور. ففي كلمته التي ألقاها أمام الحضور، وجه الشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي انتقادًا صريحا إلى قطاع النشر العربي، واصفا إياه بأنه يمر بأزمة. فيما تضمنت كلمة الكاتبة والإعلامية اللبنانية جمانة حداد هجومًا حادًا على الشخصية العربية ونمط تفكيرها.
ربما لو أن الذي ألقى إحدى الكلمتين كان غير عربي، لانهالت عليه صيحات الاحتجاج والاستهجان. فقط تخيّل لو أن شخصاً غربياً ألقى كلمة جمانة حداد التي قالت فيها: “ينشأ الإنسان العربي عائليًا وتربويًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، محملا بقيم ومعايير تقليدية، عاطفية، وإيمانية، تؤمن بالتسليم، ولا تعير التحليل والإنتقاد والتطور اهتماماً كبيراً”.
وتابعت حداد قائلةً: “أليس لهذا السبب بالذات – سبب تغييب العقل – نقبل نحن العرب بتخلّفنا في ميادين السياسة والحكم والسلطة والمجتمع والاقتصاد؟ فترانا نقبل بأن نكون محكومين بأنظمة ديكتاتورية عسكرية وأمنية ومالية ودينية وعائلية متعددة الأوجه”.
هل لك أن تتخيّل شخصية عامة غير عربية تتحدث عن “التخلّف العربي”؟ إذا أردت ذلك، فما عليك إلا أن تعتبر أن هذه الكلمات قد صدرت من زعيم أو مفكر غربي وهو ما يكفي، حال حدوثه فعلًا، للتسبب ربما في أزمة دولية.
وبإمعان التفكير فيما طرحه هذان المتحدثان، قد نجد أنهما ربما كانا يسعيان إلى إثارة صحوة فكرية. بالرغم من أن الشارقة هي أول مدينة خليجية تحصل على لقب “العاصمة العالمية للكتاب لعام” من قبل اليونسكو، وهو لقب ما كانت لتناله لو أن صناعة النشر – على الأقل في منطقة الخليج – كانت سيئةً إلى الدرجة التي وصفها البرغوثي. وثمة أيضًا محافل غير رسمية تجمع الناشرين من جميع أنحاء المنطقة، مثل رابطة “ناشرون من أجل مستقبل النشر”، للتناقش حول التحديات المستمرة التي تواجهها صناعة النشر منذ فترة طويلة مثل القرصنة، وهذا في حد ذاته يعني أن هناك جهوداً جارية لمواجهة “الأزمة” التي ذكرها البرغوثي.
وفي جزء آخر من كلمتها، رأت حداد تؤكد أن “غياب العقل النقدي يضع إنساننا العربي خارج عوالم التخيّل والفن والأدب والشعر والفلسفة والفكر مطلقًا”. ولا شك أن هذا الطرح يتعمد تجاهل التاريخ الطويل والمشرق للأدب العربي الذي أثرى التجربة الإنسانية على مدى قرون طويلة.
بيد أن هناك نقطة واحدة لا يختلف عليها اثنان، وهي أن كلا الخطابين نجحا في تحفيز التفكير النقدي، وهذا وحده يكفي للإشادة بدور الاتحاد الدولي للناشرين واتحاد الناشرين الأردنيين في إحداث حالة من التحفيز للعمل بجهد أكبر على تطوير صناعة النشر في العالم العربي.