روجر تاغولم
توصل صحفيون أمريكيون وبريطانيون إلى أن صناعة الكتاب في دول البلطيق تواجه جملةً من التحديات، أبرزها تحول باعة الكتب إلى ناشرين، وارتفاع أسعار الكتب، وانخفاض النسخ المطبوعة، وذلك خلال قيامهما بإجراء تقرير صحفي استقصائي يتناول واقع صناعة النشر في هذه الدول، قبل انعقاد معرض لندن للكتاب في أبريل المقبل، والذي سيتم خلاله التركيزعلى سوق النشر في دول البلطيق.
وفي إستونيا، إحدى دول البلطيق الثلاث (إلى جانب لاتفيا وليتوانيا) التي تقع في شمال أوروبا على سواحل بحر البلطيق، بدأت سلسلتي بيع الكتب بالتجزئة “أبولو” و”راهفا رامات”، واللتان يعود تاريخ تأسيسهما إلى الحقبة الزمنية التي كانت فيها إستونيا تحت الحكم السوفيتي، بالتوسع في مجال النشر للمرة الأولى منذ عدة أعوام.
وقد بدأت “أبولو” برنامجها للنشر قبل أربعة أعوام، بإصدار كتابين اثنين فقط في كل عام، تزامناً مع الاحتفالات بعيد الميلاد، قبل أن تقوم بزيادة إصداراتها إلى أربعة عناوين في العام الماضي، في حين اعتمدت “رامات” استراتيجية أوسع، حيث بدأت الخريف الماضي بإصدار 10 عناوين، قبل أن تعلن عن خططها لإصدار 40 إلى 50 كتاباً خلال العام الجاري.
وعبر الناشرون عن شعورهم بالقلق لهذه الخطوة بسبب صغر حجم سوق النشر في إستونيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر بقليل من 1.3 مليون نسمة، ما يجعل من تسليط الضوء على العناوين والكتب في المكتبات الرئيسية أمراً مهماً.
وقال تاونو فاهتير من دار “تانابايو” للنشر: “الناشرون ليسوا سعداء بهذه الخطوة التي تعتمد على كيفية قيام أصحاب محلات بيع الكتب بالتجزئة بعرض العناوين الخاصة بهم. المشكلة ليست في عرض أربعة أو خمسة كتب، ولكن ماذا سيحدث عندما يكون هناك من 50 إلى 100 عنوان جديد؟”.
واستدرك قائلاً: “لكنها المنافسة وعلينا أن نتعامل معها، حيث لا يوجد قانون يمنع أصحاب المكتبات من أن يصبحوا ناشرين، ولكن ما نأمله فقط هو أن تكون هناك مساواة في المعاملة”.
ويشعر الناشرون في دول البلطيق بالقلق إزاء انخفاض النسخ المطبوعة، الأمر الذي يعني ارتفاع الأسعار، وبالتالي انخفاض المبيعات، ما يشكل حلقة مفرغة، وهذا الأمر يشكل مصدر قلق للجميع.
وقالت كريستينا كير من دار “فارك”، التي تعتبر أكبر دار للنشر في إستونيا: “أوضاع سوق الكتاب ليست جيدة في الوقت الحاضر، حيث انخفضت المبيعات بنسبة تراوحت بين 10 إلى 20%، وأعتقد أن أحد الأسباب يعود إلى لجوء الناس إلى استعارة الكتب من المكتبات لأنهم لا يريدون اقتناء المزيد من الكتب في بيوتهم. وهناك الكثير من الإستونيين الذين ورثوا الكثير من الكتب عن آبائهم الذين اشتروها عندما كانت رخيصة خلال العهد السوفيتي”.
وأضافت: “أعتقد أن عدد الذين يقرأون الآن أقل مما كان عليه الحال أثناء الحقبة السوفيتية، والذين يقرأون اليوم هم المعلمون الذين يتقاضون رواتب منخفضة لا تكفي لشراء الكتب. لقد انزعجت من الخطوة التي ستقوم بها “رامات” وهي التحول من بيع الكتب إلى نشرها، لأن لديهم فرصة أفضل للترويج لبيع الكتب من نشرها”.
وأثنت كريستينا على المبادرة التي قامت بها الحكومية الإستونية بتأسيس صندوق ثقافي، الذي تم إنشاؤه بتمويل من الحكومة، والذي يقدم منحاً مالية لترجمة الأعمال الأدبية الخيالية ويشجع أيضاً المؤلفين الإستونيين على الكتابة والتأليف.
وبالنسبة للكتب الرقمية، يمكن القول أنه لا يوجد لها سوق في منطقة البلطيق، ويعود السبب جزئياً إلى عدم وجود منصات بيع بالتجزئة لها حتى الآن، ولم يتمكن موقع “أمازون” من الدخول بقوة إلى سوق الكتب في دول البلطيق على الرغم من أن بعض الناس تحب اقتناء الكتب باللغة الإنجليزية، ويوجد قلق في لاتفيا بشأن القرصنة، الأمر الذي جعل الناشرين مترددين في توسيع عملهم. ولا يوجد في لاتفيا إلا نحو 1500 كتاب إليكتروني فقط.
لكن من الملاحظ أن هناك شعبية كبيرة للشعر والشعراء في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي تشترك فيه دول البلطيق مع العالم العربي، حيث تتميز هذه المنطقة بثقافتها الغنية في مجال الشعر والنابعة من ثقافة شفوية قوية يتميز بها سكانها. وفي هذا الخصوص، قالت آندا باكلاني من المكتبة الوطنية في لاتفيا: “كان الشعراء يمثلون ضمير المجتمع خلال الفترة العصيبة التي مرت بها المنطقة إبَان الحكم السوفيتي قبل حصولهم على الاستقلال في عام 1991، حيث اشتهرت تلك الحقبة بإقامة المهرجانات، التي كان الشعراء فيها نجوماً”.
ومن المقرر أن يشارك 12 كاتباً من دول البلطيق في برنامج ثقافي موسع لتسليط الضوء على الأدب والثقافة في منطقتهم خلال معرض لندن للكتاب.
وقالت جاك توماس، مديرة معرض لندن للكتاب: “نرحب بالكتَاب الموهوبين المشاركين من دول البلطيق خلال معرض لندن للكتاب 2018، والذي ينظم برنامجاً ثقافياً خاصاً للتركيز على سوق النشر في هذه الدول. ونحن نثمن هذه الخطوة من المجلس الثقافي البريطاني، ومن جميع شركائنا في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا لدورهم في مشاركة مجموعة بارزة من المؤلفين المتخصصين في مجالات متنوعة تشمل أدب الأطفال والشعر والتاريخ والرواية”.
وأضافت: “نحن ندرك تماماً أن البرنامج الثقافي حول منطقة البلطيق سيسلط المزيد من الضوء على الجوانب الحضارية والثقافية والمعرفية والتنوع الأدبي في دول البلطيق وسيكون له تأثير ملهم على مدى الأعوام القادمة.