تعتبر مطبعة الشمرلي رائدة في طباعة ونشر القرآن الكريم في مصر؛ وذلك نظرًا للدور الكبير الذي قامت به منذ مطلع القرن المنصرم وحتى الآن، وما قدمته من خدمات جليلة لدعم النشر والناشرين، وقد طرق “ناشر” أبواب هذه المطبعة باحثًا عن كنوزها العلمية والأدبية التي ساعدت على تنشيط حركة التثقيف في مصر، وساهمت في حفظ كتاب الله عز وجل.
بدايات الطباعة في مصر
أكد الأستاذ الدكتور محمد رحيل، الأستاذ بالجامعة الأمريكية وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أن طباعة المصحف الشريف لها تاريخ طويل، حيث كانت البداية مخطوطة، ومع دخول عصر الطباعة، جاءت الطبعة الأولى للمصحف الشريف من أوروبا؛ نظرًا لتأخر معرفة العرب للطباعة وتأخر مصر بالتحديد في هذا المجال.
وقال: “واجهت أولى محاولات طباعة القرآن الكريم في مصر رفضاً عنيفاً من قِبل الفقهاء آنذاك؛ لأن بعضهم شكك بعدم طهارة الحبر المُستخدم في الطباعة! وبالتالي تأخرت طباعة المصحف الشريف فترة أخرى، لكن الطباعة بدأت فعلياً في بدايات القرن العشرين، وسرعان ما انتشرت الكتب المطبوعة في مصر، ومقدمتها القرآن الكريم”.
ومن أشهر المطابع التي نشأت بمصر، مطبعة الشمرلي، التي طبعت للقرآن الكريم نسخاً كثيرة جدًا وهي من أكبر المطابع حتى الآن بعد إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في السعودية، وكل مشايخ مصر وقرائها الكبار كانوا يقرؤون من طبعة الشمرلي، وخصوصًا أنها محددة بعدد أسطر معينة، فكل صفحة تحتوي على 15 سطرًا فقط، مما يجعل العين تعتاد عليه، وهو غير مصحف الملك فهد المختتم الآيات، ولذلك فالحفظة يعرفون جيدًا موضع الآيات ومكان السورة بدايتها ونهايتها بالعين؛ فمن اعتاد على هذه الطبعة لا يستطيع القراءة من طبعات مختلفة.
طبعات متعددة
حول المنهج والإطار الذي اتبعه الشمرلي قال رحيل: “بدأ الشمرلي في عام 1944 في طباعة المصحف الشريف، وكانت هناك أجيال نشأت من خلال هذه الطبعة المتميزة، الجيل الأول يرجع إلى السيد محمد نظيف الشهير بـ”قدروغلي” نسبة إلى الخطاط الذي نسخ المصحف وهو موجود بالطبعات القديمة من عام 1944 وحتى عام 1975″.
وأضاف: “الجيل الثاني من إصدارات الشمرلي يسمى إصدار حداد وهو الخطاط لهذه النسخة واسمه محمد سعد حداد، بدأ عام 1975 واستمرت هذه الطبعة حتى الآن، وهناك طبعات موازية لطبعة حداد، ويمكن اعتبارها بأنها الجيل الثالث، وترجع لشخص اسمه زايد، وهو من أصهار أسرة الشمرلي وكتب المخطوطة بنظام الفصلات والأشياء المُجزأة، أي طبع كل جزء بغلاف مفرد، فجمع كل جزء بمفرده ثم جعل الأجزاء الثلاثين في غلاف واحد، وهذا هو إصدار زايد، وهناك إصدارات أخرى مثل “المصحف المفسر” الذي يجمع بين طبعة حداد والتفسير للنص على الهامش، وهذا هو الجيل الرابع من أجيال طباعة المصحف في مطبعة الشمرلي”.
وأكَّد الدكتور رحيل أن بحثه المنشور في كتاب يوضح دور هذه المطبعة في طباعة القرآن الكريم الذي لم يتطرق إليه أحد من قبل، وهو أول محاولة للتأريخ ووضع أسرة الشمرلي وتوضيح دورهم في طباعة القرآن بشكل خاص، وفي خريطة الحياة الثقافية والمعرفية بشكل عام، وإبراز مدى تطور صناعة النشر في مصر بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما يتعلق بحجم الطبعات في مطبعة الشمرلي، فقد ساعد اختلاف الأحجام على انتشار الطبعات وازدياد التوزيع، فكانت تطبع بعض أحجامها على نوع مخصص من الورق يسمى الحرير، بأحجام الربع، والنصف، والأجزاء، إضافة إلى طباعة العُشر الأخير من القرآن الكريم، وطباعة بعض الأجزاء، التي يحتاجها بشكل خاص طلبة المدارس، وكذلك طبعة التهجد للمساجد، والتي انتشرت جميعها داخل مصر وخارجها.