اختتمت المدينة المنورة فعاليات معرضها الدولي للكتاب 2025 بعد أيام من الحراك الثقافي الذي أعاد رسم ملامح المشهد المعرفي في المملكة. فالمعرض الذي انطلق بمشاركة 300 دار نشر من أكثر من 20 دولة، فتح أبوابه لآلاف الزوار، جامعاً بين تنوّع المحتوى وحيوية النقاشات، في حدث يثبت أن الكتاب لا يزال قلب الثقافة النابض. وعلى امتداد أجنحة المعرض التي تجاوزت 200 جناح، التقت دور النشر بالمؤلفين والجمهور في مساحة تفاعلية جعلت من الكلمة جسراً بين العوالم، ومن المدينة نفسها منصة تتنفس الأدب والمعرفة.
ولم يكن المعرض الذي أغلق أبوابه يوم الاثنين 4 أغسطس 2025، مجرد مكان لعرض الكتب، بل تجربة متكاملة جمعت بين الورق والفضاءات الرقمية، بين النصوص القديمة والصوت المعاصر. كانت المدينة المنورة حاضرة في تفاصيل التنظيم والهوية البصرية، وفي الفعاليات التي عكست بُعدها الروحي والثقافي. وفتحت مبادرات نوعية مثل “منطقة الكتب المخفضة” المجال أمام مختلف الفئات لاقتناء الكتب بأسعار مناسبة، بينما أتاح جناح “أنا المدينة” تجربة افتراضية تحاكي التاريخ، مدمجاً التقنية بالحكاية في سرد بصري وسمعي يليق بتاريخ المدينة وأفقها المستقبلي.
وعلى مدار أيام المعرض، امتلأت القاعات بندوات فكرية وأمسيات أدبية قدّمها نخبة من الكتاب والمفكرين والفنانين من السعودية وخارجها. وتنوعت الجلسات من نقاشات في الفلسفة والفكر والنقد الأدبي، إلى ورش عملية حول صناعة النشر وتسويق المحتوى الثقافي، ما أضفى على المعرض بُعداً عملياً يتجاوز حدود القراءة إلى آليات صناعة المعرفة. وأضفى الحضور الواسع للأطفال من خلال الأنشطة المسرحية والورش التفاعلية، حيوية خاصة على المعرض حيوية، مؤكداً أن الأجيال الجديدة جزء أصيل من مشهد الكتابة والقراءة.
ومع ختام النسخة الرابعة، رسّخ معرض المدينة المنورة للكتاب مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة والمنطقة. فالمدينة، التي لم تكن موضوعاً مباشراً في معظم الكتب المعروضة، ظلت حاضرة كإطار روحي وثقافي احتضن التجربة كلها، وخرج الزوار في ختام فعالياته وهم يحملون عناوين جديدة، وصوراً مختلفة عن المدينة التي استضافتهم، وعن الكتاب الذي يجمعهم، وعن الثقافة التي تظل حيّة ما دامت تُقرأ وتُحكى وتُحتفى بها.



