روجر تاغلوم
تقف المكتبة الوطنية الجديدة، التي تم إنشاؤها في جمهورية لاتفيا، في العاصمة ريغا، إحدى دول البلطيق، شامخة تتحدى العواصف الثلجية وكأنها معبد لعشاق الكتب، تُشعر داخلها بالدفء والسكينة، فيما تبدو للناظر من بعيد وكأنها مشهد من فيلم حرب النجوم، إلا أنها في الحقيقة تحفة معمارية أبدعتها أنامل الإنسان.
ويقف برج الكتب، أو كما يطلق عليه الشعب اللاتفي “رف كتب الشعب”، الذي يشكل جزءاً أساسياً من المكتبة الوطنية، شاهقاً يكاد يلامس عنان السماء وكأنه برج بابل، ليشكل واحدا من عجائب الدنيا الببليوغرافية.
قام بتصميم المكتبة المهندس المعماري الشهير غونار بيكرزـ المولود في لاتفيا-والذي صمم مبنى المكتبة على شكل “قلعة الضوء”، مستلهماً فكرة بناءه من الأسطورة الشعبية اللاتفية – “رف كتب الشعب”، والذي يشكل النقطة المحورية في المكتبة، من خلال الاستخدام الذكي للمرايا ، حيث تصل رفوف الكتب التي يتم تكرارها عبر المرايا العاكسة إلى السقف، وليس مثل ‘المكتبة اللانهائية” للمهندس المعماري الواقعي جان لويس بورخيس من أمريكا الجنوبية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذي يجعل مثل هذه التحفة المعمارية المبتكرة تتميز بهذه الخصوصية؟ والجواب هنا يكمن فيما تمثله قيمة الكتب بالنسبة للناس وما تعنيه لهم بالفعل، حيث تم التبرع بأكثر من 5,000 كتاب من أفراد المجتمع، كتب كل شخص منهم ما الذي يعنيه له الكتاب الذي قام بالتبرع به لصالح المكتبة الوطنية، وذلك في إطار المبادرة الوطنية الملهمة للتبرع بالكتب التي انطلقت في عام 2014 عندما تم اختيار العاصمة اللاتفية ريغا عاصمة للثقافة الأوروبية.
وقالت آنا مخا، رئيسة قسم الاتصال في المكتبة الوطنية: “لقد أردنا أن نفعل شيئاً خاصاً ومميزاً، حيث قمنا بدعوة أفراد المجتمع اللاتفي أن يختاروا كتاباً واحداً كان يعني شيئاً بالنسبة لهم وأن يقوموا بكتابة بعض الأسطر داخله لماذا كان مهماً له”.
وأضافت: ” قمنا بتوجيه الدعوة إلى الجمهور للتبرع بهذه الكتب إلى المكتبة وكانت الاستجابة مذهلة، وقد تم بناء هذه للمكتبة الوطنية الجديدة لتحل مكان المكتبة القديمة على الجانب الآخر من النهر، لذلك قررنا تشكيل سلسلة بشرية من آلاف الأشخاص حيث اصطفوا على الجسر لتمرير الكتب من شخص إلى آخر لنقل كافة الكتب المتبرع بها من المكتبة القديمة إلى المكتبة الجديدة.”
“حقاً لقد كان شيئا خاصاً، ورغم أن اليوم، الذي تم فيه نقل الكتب من المكتبة القديمة إلى الجديدة، كان بارداً جداً حيث وصلت درجة الحرارة إلى 15 تحت الصفر، إلا أن ذلك لم يمنع الناس من المشاركة في هذه المبادرة الملهمة، حيث حضر 30 ألف شخص! أسر بأكملها كانت تقف هناك على الجسر وكانوا جميعا يتحدثون عن الكتب ولماذا اختاروا الكتب التي تبرعوا بها”ز
وكان الكتاب المقدس “الإنجيل” هو أول كتاب تم التبرع به منذ انطلاق هذه المبادرة، كما تبرع كل من رئيس البرلمان الجورجي، ورئيس وزراء اليابان، بكتاب، فيما سيقوم رئيس مجلس العموم في المملكة المتحدة بالتبرع بكتاب خلال هذا الربيع.
وتوجد الكتب، التي تم التبرع بها على رفوف المكتبة الوطنية الجديدة، وهي مكتوبة بـ 30 لغة مختلفة، وتعد الرواية الفكاهية للكاتب الإنجليزي جيروم كلابكا جيروم “ثلاثة رجال في قارب” بطبعاته اللاتفية المختلفة من أكثر الكتب التي تم التبرع بها.