يعد غسان كنفاني رمزاً للأدب الفلسطيني، إذ جسدت كتاباته صورة واضحة تعبر عن أهمية الأدب في تنوير الشعوب وتوعيتها بالقضية الفلسطينية. ونرى أفكاره “التي لا تموت” تتبين لنا بوضوح مع مرور الزمن.
وتتجاوز أهمية كتابات غسان كنفاني الحدود الجغرافية والزمنية، إذ ترجمت أعماله إلى حوالي 16 لغة، بما في ذلك الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية، ما أسهم في نشر فكره ورؤيته حول العالم. على الصعيد العربي، تتولى دور نشر متعددة نشر كتبه، منها الدار الأهلية في الأردن، ومؤسسة غسان كنفاني بالتعاون مع منشورات الرمال في قبرص، وغيرها من دور النشر التي أسهمت في إبراز تراثه الأدبي والثقافي ونشر أفكاره بين الجمهور العربي.
رواية “رجال في الشمس”: غسان وجدران الخزان
“لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟”
يتردد صدى هذا التساؤل في عقل كل من يقرأ رواية “رجال في الشمس” والتي نشرها غسان أول مرة عام 1963. تتناول هذه الرواية موضوع الهجرة بوجه عام لأي شعب طرد من أرضه قسراً، ويرسل فيها كنفاني من خلال شخصياته الثلاث رسالة “عتب” للوضع النفسي للمجتمع الفلسطيني آنذاك؛ كما نقل غسان من خلال الرواية معاناة اللاجئ الفلسطيني والصراعات اليومية التي يواجهها. يعتبر هذا الاقتباس الشهير بوابة لفهم عمق “الرسالة” التي تتجسد في الرسالة، ومعاناة الشخصيات التي تسعى إلى البحث عن الكرامة والحرية بتخبط؛ مع الظروف القاسية التي يعيشونها.
“ما تبقى لها. ما تبقى لكُم. ما تبقى لي”
“ما تبقى لكم، ما تبقى لي، حساب البقايا، حساب الخسارة، حساب الموت، ما تبقى لي في العالم كله، ممر من الرمال السوداء، عبّارة بين خسارتين، نفق مسدود من طرفيه”
على عكس الحالة النفسية المنهزمة لشخصيات “رجال في الشمس”، تأتي رواية غسان “ما تبقى لكم”، متحدية الواقع المرير، ضاربة بالنتائج المحتملة عرض الحائط. مصورة لنا حالة من الدفاع والتمرد؛ ضمن أحجية سردية ينتقل فيها الكاتب بين بطلين يكمل كل منهما الآخر بطريقة أو بأخرى. منادياً بأن نتمسك بما تبقى، حتى لا نصبح “صفر اليدين”. نشرت الرواية عام 1966 ونال على إثرها “جائزة أصدقاء الكتاب” في لبنان.
“الوطن هو ألا يحدث ذلك كله”
تمثل رواية “عائد إلى حيفا” التي نُشرت عام 1969، فاجعة لعائلة فقدت طفلها خلال التهجير إثر النكبة عام 1948، ليرجعوا بعد غياب دام عشرين عاماً؛ باحثين عن أطلال طفلهم التي استحالت صورة للطرف الآخر ترتدي بدلة عسكرية. تصور هذه الرواية مأساة حقيقية للحرب بأبشع صورها، حيث تتغيّر حقيقة الأشياء ليستولي عليها الزيف، ليصبح تعريف الوطن على لسان البطل: “الوطن هو ألا يحدث ذلك كله”.
نظرة شاملة لما بعد الرواية
تنوعت أعمال غسان كنفاني بين القصة والرواية والمسرح والمقالات والدراسات، ومن أبرز هذه الأعمال في مجال القصة: “القميص المسروق”، و”أرض البرتقال الحزين”، و”موت سرير رقم 12″، كما كتب مئات المقالات والدراسات في الثقافة والسياسة. وحوى إنجازه الأدبي الذي يتكون من 18 كتاباً، عدة دراسات -أهمها “الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال”، وعدداً من المسرحيات، وقد جمعت أعماله كاملة في أربعة مجلدات من إصدار الدار الأهلية للنشر والتوزيع.
الإنسان وراء الفكرة
غسان كنفاني، الكاتب الفلسطيني الذي استشهد في الثامن من يوليو عام 1972، يمثل رمزًا للنضال والكتابة الأدبية التي تسعى إلى التعريف برسالة. وُلد في عكا عام 1936. كانت حياته تنبض بالنضال والعمل، حيث شارك في تأسيس جبهة التحرير الوطني الفلسطينية وأسهم في تعزيز الوعي السياسي والوطني آنذاك، فلم يكتفِ كنفاني بأن يكون كاتبًا بارعًا، بل كان أيضًا ناشطًا سياسيًا ملتزمًا بقضية شعبه.
استشهد كنفاني في العاصمة اللبنانية بيروت بعد انفجار عبوة ناسفة في سيارته، وبقيت أفكاره ومبادئه تحفر في الذاكرة الجمعية للفلسطينيين والعرب كمصدر للإلهام والتحدي.