Home 5 مقالات و تقارير 5 طالب الرفاعي: الكتاب لا يكون كتاباً إلّا بوجود القارئ الشغوف

طالب الرفاعي: الكتاب لا يكون كتاباً إلّا بوجود القارئ الشغوف

بواسطة | نوفمبر 6, 2017 | مقالات و تقارير

جعفر العقيلي

 

يبدو تحقيق التفاعل بين المتلقي والنص الهاجسَ الرئيسي لدى الكثير من الكتّاب، حتى إن هناك منهم من لا يتردد في القول إنه يكتب وهو مسكونٌ بالقارئ ومهتمٌّ بردّ فعلِه قبل أي شيء آخر..

وكانت الأنظار وُجهت في مرحلتَي “البنيوية” و”السيميائيات” نحو النص بوصفه يمثل منظومة من البنيات الداخلية المغلقة وحقلاً من العلامات اللغوية، بيد أن هناك من أولى عنايته للقارئ أكثر من النص، كما هي حال “رولان بارت” و”إمبرتو إيكو” و”تودوروف”. ولاحقاً جاءت نظريات القراءة في مرحلة ما بعد الحداثة، لتعيد الاعتبار للمتلقي وتمنحه المكانة التي يستحقها بوصفه “شريكاً” في إنتاج النص.

وكما إن هناك أنواعاً من الكتّاب، أصبح هناك أنواع من القراء أيضاً، على غرار “القارئ النموذج”، و”القارئ الخبير”، و”القارئ المثالي”، و”القارئ الخيالي”، و”القارئ الضمني”. كما عُنيت نظريات القراءة بالخبرات التي يُفترَض توافرها في المتلقي، كالخبرة اللسانية، والمعجمية، والأيديولوجية، والتواصلية، والمعرفية، والثقافية، والنفسية.

ووسط كل هذه التفاصيل والنظريات، يظهر “الشغف” بوصفه الحالة التي يطمح الكتّاب أن تتلبّس القارئَ وهو يتلقى نصوصهم؛ فشغف القراءة هو الذي يقودنا إلى مغاليق النص والبحث في متاهاته وصولاً إلى ما نقترحه من تأويلات لما هو مستتِر خلف السطور والكلمات.

هذا ما يؤكده الروائي الكويتي طالب الرفاعي فيما هو يستعرض تاريخ علاقته -قارئاً- مع الكتاب، بدءاً من سن اليفاعة. وكانت الروايات التي ترجمها سامي الدروبي عن اللغة الروسية، أولى محطات تجربته مع التلقي، ففيها بحرٌ آخر غير ذاك الذي يعرفه، وفيها نساء شقراوات لم يشاهد مثلهن في محيطه. فكانت الروايات المترجمة نافذته الملونة التي يطل منها على عالم مغاير أوسع بكثير من الدائرة الاجتماعية الضيقة التي لا يغادرها.

ويستذكر الرفاعي الذي حلّ ضيفاً على ندوة ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الشارقة للكتاب في دورته السادسة والثلاثين، اندهاشه وهو يتعرّف على “الملاهي” في روايات بلزاك، وفضوله وهو يعيش أجواء الاحتجاج الاجتماعي في أمريكا كما صوّرها “جون شتاينبك” في “عناقيد الغضب”.

ويوضح الرفاعي الذي يحمل عملُه الروائي الأخير اسم “النجدي”، أنه كان يقرأ من دون أن تكون هناك أيّ خلفية في ذهنه إزاء ما يقرأه، واصفاً ذلك بـ”القراءة البيضاء”، وهو ما أتاح له على الدوام استكشاف تجارب جديدة وارتياد عوالم لم يرتًدْها سابقاً اعتماداً على التخييل، كأن يتجول في أزقة القاهرة وحاراتها افتراضياً فيما هو يقرأ ثلاثية نجيب محفوظ، أو يشمّ رائحة البحر الحرّيفة وهو يقرأ مدونة حنا مينة السردية، أو يتعرف على تجليات الحياة في بغداد وهو يقرأ أعمال فؤاد التكروري الأدبية.

ويؤكد الرفاعي الذي نشر أولى قصصه في صحيفة “الوطن” الكويتية عام 1977، أن أي مغامرة مقرونةٌ بالمخاطرة بالضرورة، إلّا مغامرة القراء، فلا مخاطر فيها. فأنت تقرأ قصص الحب وعذاباته، أو حكايات الحرب ونتائجها الكارثية، لكنك لن تخسر شيئاً مما لديك.

“أنا كاتب أحسب للقارئ ألف حساب” يقول الرفاعي، موضحاً أن هذا هو السبب في أنه لا يكتب عن شيء إلّا بعد أن يوقن أن لديه كل التفاصيل عنه. ومن ذلك أن أحد أبطال رواياته أصيب بكسر في العظام، وكي يكتب الرفاعي عن هذه الحالة بصدقية كان لا بد من زيارة المستشفى والجلوس إلى أطباء وجرّاحي العظام أكثر من مرة.

وكما كان “الشغف” محركاً لـ”القارئ” طالب الرافاعي، أصبح كذلك بالنسبة إلى طالب “الكاتب”؛ فقد تملّكه الهوس في أن يواصل الكتابة ليحظى بالشهرة. كلما انتهى من قصة تلبّسته فكرة جديدة تنتظر أن يدونها على الورق، محاولاً تجاوز ذاته وإنجاز نص أفضل يليق بالمتلقي الذي ينتظر جديده. وظل السؤال الذي يؤرقه ويلازمه: كيف يمكنني أن أكتب الخاصَّ ليبدو عاماً؛ وكيف يمكنني التقاط العام والكتابة عنه كما لو أنه شأن خاص؟

“القراءة هي عكازي، وهي ما يعينني على الحياة” يؤكد الرفاعي الذي يدرّس مادة الكتابة الإبداعية في الجامعة الأمريكية بالكويت، داعياً إلى التفريق بين القراءة الحية ونظيرتها الميتة. فالقراءة الحية التي تحفز المتلقي على التفاعل مع النص لا يمكن أن تتحقق إلّا إذا كان النص بمستوى الحدث الإنساني. أما الميتة فهي التي لا تستثير القارئ وسرعان ما ينتهي مفعولها بانتهاء قراءة النص.

لكن التفاعل المنشود لا يمكن أن يتحقق مثلاً عبر نشر النصوص أو مقاطع منها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيس بوك”، إذ يرفض الرفاعي هذه الظاهرة التي بدأت بالذيوع مؤخراً طمعاً بالحصول على تعليقات أو ردود من “الأصدقاء”، وهو يتخذ لتحقيق هذه النتيجة مسرباً آخر: “أشتغل على عملي الأدبي بسرّية، وحين أنتهي منه أرسله لأصدقاء ثقاة ليقرأوه ويزودوني بملاحظاتهم، قبل أن يصدر في كتاب ويكون ملكاً للقارئ”.

ويشدد الرفاعي على أن الكتابةَ “طريقُ حياة”، وأن للفن وظيفته الاجتماعية ورسالته، خاتماً حديثه بقوله إن الكتاب يظلّ ناقصاً ما لم يجد قارئاً “شغوفاً”؛ وإن اللوحة تظل مجرد قطعة على الجدار إلى أن تجد عيناً بصيرة تتامّلها.

أخبار حديثة

24فبراير
الشارقة تحتفي بمئة عام من المعرفة

الشارقة تحتفي بمئة عام من المعرفة

  احتفاءً بمرور 100 عام على تأسيسها، تنظّم مكتبات الشارقة العامة سلسلة من الفعاليات خلال الأشهر الثلاثة القادمة، والتي تجمع بين النقاشات الفكرية، والجولات الثقافية، والورش التفاعلية، بمشاركة نخبة من الأدباء والمتخصصين والباحثين، وبالتعاون مع نخبة من المؤسسات الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتسليط الضوء على دور المكتبات في تعزيز المعرفة، وتوثيق الإرث الثقافي، وترسيخ […]

20فبراير
الشارقة تحتضن المؤتمر الدولي الأول لحقوق النسخ

الشارقة تحتضن المؤتمر الدولي الأول لحقوق النسخ

افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، الرئيسة الفخرية لجمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ، فعاليات المؤتمر الدولي الأول لإدارة حقوق النسخ في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تنظّمه الجمعية على مدار يومين في مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار، وذلك بالتعاون مع وزارة الاقتصاد في الدولة، والاتحاد الدولي لمنظمات حقوق النسخ.   شهد الحفل الافتتاحي للمؤتمر، معالي […]

20فبراير
الجائزة العالمية للرواية العربية تكشف عن القائمة القصيرة لدورة 2025

الجائزة العالمية للرواية العربية تكشف عن القائمة القصيرة لدورة 2025

كشفت الجائزة العالمية للرواية العربية عن القائمة القصيرة لدورتها الثامنة عشرة لعام 2025، والتي ضمت ست روايات لكتّاب من ست دول عربية، وشملت “دانشمند” لأحمد فال الدين (موريتانيا)، و”وادي الفراشات” لأزهر جرجيس (العراق)، و”المسيح الأندلسي” لتيسير خلف (سوريا)، و”ميثاق النساء” لحنين الصايغ (لبنان)، و”صلاة القلق” لمحمد سمير ندا (مصر)، و”ملمس الضوء” لنادية النجار (الإمارات).   […]

Related Posts

التحول الرقمي ينقذ الأدب الأسترالي من الانقراض

التحول الرقمي ينقذ الأدب الأسترالي من الانقراض

أُعيد إحياء أكثر من 160 كتاباً لمؤلفين أستراليين بارزين، بما في ذلك ستة فائزين بجائزة مايلز فرانكلين الأدبية، من خلال مشروع "Untapped" (غير مُستغل) الذي استمر لمدة ثلاث سنوات وانتهى في ديسمبر 2024. وشمل المشروع إعادة نشر أعمال لثيا أستلي، وميم فوكس، وشارميان كليفت،...

المكتبات السورية.. تراث محفوظ رغم التحديات

المكتبات السورية.. تراث محفوظ رغم التحديات

تُعد سوريا واحدة من أقدم مناطق العالم التي عرفت الحضارة والكتابة، ما جعلها مركزاً مهماً للمعرفة والثقافة على مر العصور. ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد، شهدت سوريا ميلاد مكتبات كانت تمثل مراكز لتوثيق الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. من أبرز هذه المكتبات القديمة...

أربعة كتب ضرورية لفهم تاريخ سوريا ومصيرها

أربعة كتب ضرورية لفهم تاريخ سوريا ومصيرها

ألهم تاريخ سوريا، إحدى أقدم الحضارات في العالم، أعمالاً أدبية وتاريخية مهمة. وتتشابك هذه الكتب مع الثراء الثقافي لسوريا، والصراعات السياسية، والرؤى للمستقبل. وفيما يلي أربعة كتب شهيرة تستكشف هذه الموضوعات:   تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين - فيليب حتي يقدّم عمل الدكتور...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this

Pin It on Pinterest