تخطو صناعة النشر في المملكة المتحدة خطوات جادة نحو التنوع والشمولية، في توجه يتضح جلياً من خلال المبادرات التي أطلقتها دور النشر الكبرى للتعامل مع هذه القضية بالغة الحساسية. وتؤكد تلك النقلة على تنوع الثقافات في المملكة المتحدة.. هذا التنوع الذي بات يطغى على عالمنا المترابط، حيث نشهد جمهوراً عريضاً ومتعدد الثقافات يتفاعل بشكل فوري مع أي حدث، في عصر تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة بفعل الإنترنت، وظهرت أهمية الوعي بالآخر، واحترامه وقبوله أكثر من أي وقت مضى.
وقد أدرك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أهمية العمل على تعزيز روح الصداقة والتفاهم المتبادل بين الشعوب، من خلال دعمه لمعرض الشارقة الدولي للكتاب وإيمانه بأهمية الكتاب والقراءة كسبيل للتسامح والتفاهم بين الشعوب قاطبة.
وبادرت جاكس توماس، مديرة معرض لندن للكتاب، إلى وضع قضية التنوع والاحتواء وقبول الآخر على رأس جدول الأعمال، وقامت في العام 2016 بتأسيس مؤتمر بناء الشمولية والاحتواء في قطاع النشر، في مبادرة جديرة بالإشادة والثناء، أتاحت للمتحدثين من كافة القطاعات، بالإضافة إلى القائمين على صناعة النشر، استعراض تجاربهم في معالجة هذه القضايا. وخلال المؤتمر، ألقى تيم هيلي هتشينسون – الرئيس التنفيذي السابق لشركة هاشيت بالمملكة المتحدة – الكلمة الرئيسية في افتتاح المؤتمر دعا خلالها إلى زيادة الاهتمام بثقافة قبول الآخر في صناعة النشر – تلك الصناعة التي يتمنى أن يشعر فيها الجميع بالانتماء بغض النظر عن أجناسهم، وأعراقهم، وأديانهم، وخلفياتهم الاجتماعية.
ولعبت هاشيت دور الريادة في هذا المجال، ففي العام 2016، سارع رئيسها التنفيذي ديفيد شيلي إلى تعيين ساسكيا بلوي كأول مدير للتنوع والشمولية، وهو المنصب الذي استحدثته الشركة. وساهمت تلك المبادرة في حث الناشرين لموظفيهم على إنشاء مجموعات تواصل مختلفة لتغطية مجالات مثل العرق، والجنس، والميول، والمعتقدات الدينية، والإعاقة. فالفكرة هي إمكانية تقدم الموظفين بمبادرات لنشر الوعي بقضايا معينة.
ومع تولي ديفيد شيلي منصب المدير التنفيذي لمجموعة هاشيت خلفاً لهيلي هاتشينسون، واصل قيادة مجموعته نحو المزيد من الشمولية والاحتواء. وأشار شيلي في مؤتمر فيوتشربوك للكتاب الذي عقد في لندن في نهاية نوفمبر 2018 أن “هناك تحولاً جذرياً في السنوات العشرين الماضية، وأعتقد أنه كان للأفضل. وإذا عدنا بالذاكرة إلى العام 1997، لنستطلع ماذا كانت طبيعة هذا القطاع بالنسبة للأشخاص الذين لا يشربون الكحول لأسباب ثقافية أو دينية. لقد بادرنا إلى احتواء الأشخاص الذين لم يكونوا “اجتماعيين”، وهي عبارة كانت شائعة ولحسن الحظ لم تعد الآن. ورغم أن لدينا الكثير لنقوم به، لكننا تغيّرنا وحققنا الكثير أيضاً”.
وهناك مبادرات من مؤسسات أخرى مثل دار بنجوين راندوم وأداتها الطوعية “متعقب الشمولية والاحتواء”، التي أتاحتها للكُتاب والعاملين لقياس مدى تقبّل الآخر. وهو ما يُعزز أهداف الدار في إبراز صورة المجتمع البريطاني بحلول عام 2025؛ ودار هاربر كولنز التي توفر مختلف الدورات التدريبية للأقليات العرقية؛ ودار بونيير بالمملكة المتحدة وما تقدمه من تدريب داخلي للمتقدمين من الأقليات العرقية أيضاً.
واختتمت لوفيغروف كلمتها في مؤتمر فيوتشربوك بتوجيه نداء إلى العاملين بصناعة النشر للتأكيد على أن “الاحتواء في مكان العمل هي قاعدة وليست مجرد اتجاه”. وأضافت: “من الصعب أن تكون أنت هذا الشخص أو هذه المرأة السوداء وتقول “برجاء تخصيص مساحة لنا”. لن أقول “رجاءً” بعد الآن. في العام المقبل سنقوم بذلك دون تردد”.