تمثل عملية نبش الأرشيف إعادةَ قراءة لحياة صاحبها وما حققه من إنجازات أو تجرّعه من انهزامات وانكسارات، ومادة الأرشيف بقدر ما تضيء لحظاتٍ نائيةً ومنسيَّة؛ تفضحُ قصورَ الرؤية للعالم عندما تُظهر أنَّ كثيراً مما كان على الهامش أصبح اليوم في صلب الاهتمام وعلى سلّم الأولويات، وربما يحدث العكس أيضاً، أي لا نعود نكترث لذلك الذي شغلَ بالَنا وأرّقَنا ذات يوم!
من هذه الزاوية يمكن النظر إلى “خُذ الكتابَ لتراكَ”، الكتاب الجديد للروائي والقاص إلياس فركوح الذي صدر عن “أزمنة للنشر والتوزيع” (2018)، متضمّناً تأمّلات يمكن إدراجها تحت ما يشبه الفصول/ الدفاتر، وهي هنا ثلاثة: “رفوف”، و”وجوه”، و”قراءات”.
يستهل فركوح إصداره بمقولة لـ(James McCosh) يضيء بها طريقَ القارئ في حجرات النص: “الكتاب الذي يفكِّر عنك ليس جديراً بالقراءة. إقرأ كتاباً يدفعك للتفكير”. ثم يقدّم لمتن كتابه بقوله: “إنَّ تقليب أوراق الأرشيف “يماثل إعادة سرد حكايات أعمارنا، والضحك منها أو عليها. لِمَ لا نقول الكلام الأدقّ؟ لِمَ لا نقول: الضحك منا وعلينا؟”. ويضيف: “يا لهذا الأرشيف من كائنٍ خطير ينتظر مَن يفتحه ليسارع، من فوره، بالانفجار فـي وجهه، كأيّ طرد ملغوم أرسله زمنٌ متآمر!”.
ويتحدث فركوح عمّا يتضمنه أرشيفه الخاص الذي يعود جزءٌ منه إلى خمسة عقود مضت، والذي أثّثه ترحالُ صاحبه وتنقُّله في رحلة العمر الغنيّة: “فـي أكداس الكتب والدوريات المرتّبة داخل مكتبتي، فـي الأعداد المنسيَّة التي يناسبها تسميَّة (الأرشيف)، تكمن كنوزٌ ولُقى نادراً ما نجدها فـي كتب ودوريات اليوم”.
ويستعرض فركوح علاقته بكنوز الأرشيف وخباياه، وكيفية تعاطيه معه كلما اصطدم به: “تبدأ عملية البحث والاستقصاء مسبوقةً بغاية محدّدة أعرفها تماماً، غير أنني كلّما مضيتُ بالتقليب والفرز، أجدني ابتعدتُ تدريجياً عن تلك الغاية، وتشعّبتُ بدافع الفضول باتجاهاتٍ لم تكن خطَرَت لي منذ سنين وسنين! ولا يقتصر الأمر على هذا؛ إذ تعيدني الصفحات المتقلّبة بين يدي إلى ما كنتُ أنا فـي تاريخ صدورها: تعيدني إلى ما كنتهُ وقتذاك، إمّا بقراءتي لتعليقاتي على هوامش الصفحات، أو تحديقي بالصور العتيقة العاملة على بثّ الحيوية لذكرياتِ وحكاياتِ وأشخاصِ تلك الفترة”.
ويتأمّل فركوح خلال هذه العملية المركّبة التي تكشف عمّا يمكن أن يشعر به المرء وهو يقلّب شذراتٍ من حياته الماضية، الكيفيةَ التي يعيدُ بها الزمنُ ترتيبَ سلّم الأوليات لدينا، متسائلاً: “ماذا كنتُ أريد أن أصبح، وما الذي أصبحتُ عليه؟”، وذلك قبل أن يوضح في سياقٍ متصل: “مِن حقّنا وواجبنا الأخلاقي أن نتذكَّر أوراق الأرشيف، ففيها الشهادة الشاهدة على زمنٍ ينبغي عند استعادته، أن يخضعَ للنقد العقليِّ الجَسور، الذي لا يهاب ظلالَ الماضي وأشباحه”.
ومما يؤمن به فركوح وهو يتأمل اشتباكنا مع الأرشيف والماضي، أن كلّ فرد منّا يحتفظ في بيته بأجزاء من العالم، وفصول من تاريخه، على نحو منظَّم وفي غاية الدقة، وأننا نقوم بتنسيق معالم هذه الأجزاء والفصول، وفرز مفرداتها أيضاً، ليصبح بإمكاننا في لحظة مناسبة، أن نمد أيدينا فنتناول كتاباً محدداً من رفٍّ معلوم لنلتقط معرفةً نطلبها لأنها تلزمنا للعثور على “إجابة ما” عنا أو عن العالم.
يتضمن الكتاب في فصل “رفوف” مقالات وتأملات من عناوينها: “مغامرة الاتساق”، و”كشف الناقص فينا”، و”دون أوزان زائدة”، و”القراءة ليست واحدة”، “الجنة وما أدراك ما الجنة”، و”الأرشيف صندوق باندورا”، و”سؤال الكتاب.. كتاب السؤال”، و”الكاتب والكتاب في مجتمع طارد”، و”شريك في القرصنة”، و”دعونا نحتفي بالفرح”.
وفي الفصل الثاني (وجوه)، يتحدث فركوح عن شخصيات أدبية وثقافية عالمية، قرأها واشتبك بتجاربها ونصوصها في الواقع أو عير إصداراتها، وهي: خوان غويتسولو، وإدمون عمران المليح، وغالب هلسا، ونجيب محفوظ، وغابرييل ماركيز، ومحمد زفزاف، وإدوار الخرّاط، وجمال أبو حمدان، وسعود قبيلات، وجميلة عمايرة.
أما الفصل الثالث (قراءات)، فيسلّط الضوء على باقة من الكتب التي يرى فركوح أنها شكّلت علامة فارقة، ومنها: “ألف ليلة وليلة”، و”كأنها مزحة” و”دليل الاستخدام” لفيروز التميمي، و”بيروت صغيرة بحجم راحة اليد” لأمجد ناصر، و”جروح الروح” لبدر الديب، و”أطفال بلا دموع” و”قمر على المستنقع” و”عيون البنفسج” لعلاء الديب، و”سقوط السنديان” لأندريه مارلو، و”هنا والآن” الذي يتضمن رسائل بين بول أوستر وج. إم. كوتزي، و”ستيمر بوينت” لأحمد زين، و”الملك ينحني ليقتل” لهيرتا موللر، و”الكائن المصبوغ” لـ ييجي كوشينسكي.
انتعاش قطاع النشر السعودي: أكثر من 500 دار نشر تدفع نمو الصناعة
كشفت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت” في المملكة العربية السعودية، عن وجود أكثر من 500 دار نشر محلية في المملكة حالياً، ما يعكس التطور النوعي الذي شهدته صناعة النشر في البلاد خلال الأعوام الأخيرة، والاهتمام المتزايد بهذا القطاع من قبل المستثمرين ورواد الأعمال. وأشارت الهيئة في تقريرها للربع الثالث من 2024، إلى أنه […]