Home 5 المراجعات 5 جماليات الحزن في أعمال يوكو أوغاوا.. كيف تحوّل الألم إلى فن؟

جماليات الحزن في أعمال يوكو أوغاوا.. كيف تحوّل الألم إلى فن؟

بواسطة | يونيو 11, 2025 | المراجعات

في عوالم الكاتبة اليابانية يوكو أوغاوا الأدبية، لا يُطرح الحزن بوصفه شعوراً عابراً أو لحظة انكسار درامية، بل يُقدَّم كجوهر هادئ يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية. فالحزن، في نصوصها، ليس صدمة بل استقرار غير معلن، أو صمت متواطئ مع النفس، يتسلل من خلال الإيماءة، والكلمة المبتورة، وفضاء الغياب، ويتقاطع مع العزلة والذاكرة ليكوّن لغة سردية ناعمة، تختبئ خلفها أسئلة وجودية مؤلمة.

 

في روايتها الأشهر “شرطة الذاكرة”، تبتكر أوغاوا جزيرة تخضع لنظام غريب: تختفي الأشياء تدريجياً، الزهور، والطيور، الكتب، ويُمحى أثرها من الذاكرة قسراً. تُلاحق الشرطة من يحتفظ بالتذكّر، فيتحوّل الماضي إلى جرم، والذاكرة إلى مقاومة. في هذا السياق، يصبح الحزن مرتبطاً بمحو الهوية، وبالخوف من أن نصبح كائنات بلا ذاكرة أو جذور. السرد هنا لا يعالج الألم، بل يحتضنه كحالة إنسانية شديدة الهشاشة، ترسم ملامح عالم يتفكك بهدوء.

 

أما في “الفندق آيريس”، فتغوص الكاتبة في عوالم أكثر قتامة، من خلال قصة فتاة مراهقة تعمل في فندق صغير وتدخل في علاقة غريبة ومؤلمة مع رجل مسن. العلاقة قائمة على الغموض، والسيّطرة، والصمت، لكنها تكشف عن احتياج داخلي عميق للتواصل، حتى عبر الألم. الرواية، بقدر ما هي مزعجة، فإنها تستعرض كيف يمكن للعزلة أن تدفع الإنسان إلى البحث عن معنى حتى في أكثر التجارب وجعاً، وتُبرز التوتر بين التوق إلى الحب والانجذاب نحو الألم كوسيلة لملء الفراغ الداخلي.

 

لغة أوغاوا في كلتا الروايتين دقيقة وخافتة، لكنها مُحمّلة بإيحاءات كثيفة. لا تصف الحزن، بل تجسّده عبر الإيقاع البطيء، والحوارات المتقطعة، والفراغات المقصودة في السرد. تتسلل مشاعر القلق، والفقد، والانفصال عن الذات، من خلال تراكيب هادئة لا تصدم، بل تجرّ القارئ بلطف إلى داخل الجرح.

 

في النهاية، تنجح يوكو أوغاوا في تحويل الألم إلى بنية فنية متكاملة، لا تكتفي بتسجيل المعاناة، بل تعيد إنتاجها كخبرة جمالية. الحزن في كتابتها ليس تكراراً للضعف، بل إضاءة لما هو إنساني، ولتلك المساحات الرمادية في الروح التي لا نراها إلا حين نصمت طويلاً في حضرة الألم.

 

أخبار حديثة

20ديسمبر
حين تكتب ديا ميرزا للأطفال

حين تكتب ديا ميرزا للأطفال

تفتتح الممثلة الهندية ديا ميرزا فصلاً جديداً في مسيرتها الإبداعية مع شروعها في تأليف سلسلة من خمسة كتب موجهة للأطفال، تستلهم فيها تجاربها الشخصية وقيمها الإنسانية وشغفها العميق بالسرد. ويأتي هذا المشروع ليشكّل محطة نوعية في رحلتها الفنية، حيث تنقل ميرزا جزءاً من رؤيتها للعالم إلى قصص قادرة على ملامسة عقول الصغار ومخيلاتهم، وتقديم مضامين […]

18ديسمبر
أدب الرسائل ينهض من جديد

أدب الرسائل ينهض من جديد

في زمن تتدفق فيه الكلمات بسرعة البرق، وتُكتب الرسائل بضغطات مختصرة على الشاشات، يعود أدب الرسائل ليذكّرنا بأن الكتابة كانت يوماً فعلاً بطيئاً، وعميقاً، ومشحوناً بالعاطفة. وهذا النوع من الأدب لا يقدّم موضوعاً فحسب، بل يكشف صاحبه كما هو: هشاً، أو صادقاً، أو ممتلئاً بالأسئلة التي يخجل الإنسان غالباً من قولها بصوت مرتفع. ربما لهذا […]

16ديسمبر
ناشرون مستقلون يعيدون ابتكار كتب الفن

ناشرون مستقلون يعيدون ابتكار كتب الفن

تشهد فرنسا حراكاً لافتاً في عالم الكتب الفنية، تقوده دور نشر مستقلة أعادت تعريف كتاب الفن بوصفه مساحة إبداعية قائمة بذاتها، لا مجرد وعاء للنص أو الصورة. فبينما يتميّز المشهد الفرنسي بثرائه، مع نشر نحو 75 ألف كتاب سنوياً وشبكة واسعة من المكتبات المستقلة، يظل السوق خاضعاً لهيمنة عدد محدود من المجموعات الكبرى. في هذا […]

Related Posts

روائيون في “الشارقة للكتاب”: للأدب دور كبير في تشكيل المجتمعات

روائيون في “الشارقة للكتاب”: للأدب دور كبير في تشكيل المجتمعات

  أكد عدد من الروائيين الذين شاركوا في ندوة "دور الرواية في تشكيل المجتمع"، ضمن فعاليات الدورة 42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أن للأدب دور كبير في تشكيل المجتمعات إذا استطاع الكاتب التأثير في المنظومة القيمية. وقال الروائي الدكتور طارق الطيّب: "أعيش في النمسا...

( قراءة تأويلية في رواية إهانة غير ضرورية لإياد عبد الرحمن ) 

( قراءة تأويلية في رواية إهانة غير ضرورية لإياد عبد الرحمن ) 

في مواجهة إهانات العالم لطالما شدتني الأعمال الأدبية التي تنحاز فيما تتناوله لبشر الهامش، ففي الوقت الذي نعيش فيه احتفاءً متواصلاً بالإنجازات الكبرى و البطولات الحقيقية والزائفة وكل ما هو ساطع ومبهر، يأتي أدب الهامش ليحتفي بهشاشتنا المشتركة، تلك الصدوع التي تترك أثرها...

كاظم الساهر: الأبرياء يدفعون ثمن الحروب والقراءة تعيد الأمل إلى الحياة

كاظم الساهر: الأبرياء يدفعون ثمن الحروب والقراءة تعيد الأمل إلى الحياة

  أكد المطرب كاظم الساهر أن الأبرياء يدفعون ثمن الحروب، وأن الفنان يمتلك موقفاً إنسانياً وضميراً حياً، وبالتالي لا يمكن أن يقف متفرجاً أمام أهوال الحرب، مشيراً إلى أنّه تم بالتعاون مع جمعية الأمم المتحدة للموسيقى الكلاسيكية بإدارة بريندا فونجوفا، تسجيل أغنية...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this