Home 5 مقالات و تقارير 5 ثمن الحبر والورق: كيف لـ400 مليون قارئ عربي التكيف مع الواقع؟

ثمن الحبر والورق: كيف لـ400 مليون قارئ عربي التكيف مع الواقع؟

بواسطة | يناير 24, 2023 | مقالات و تقارير

ثمن الحبر والورق

سوسن الأبطح

مصر ليست استثناءً. أسعار الكتب تحلّق في كل مكان. رغبة القراء في مقاطعة معرض القاهرة للكتاب، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار بعد أن تجاوزت الضعفين، يمكن أن نراها في باريس وبيروت كما في واشنطن، في أي وقت. لكن ثمة من لا يزال يقاوم، وهناك من يصمت، أو يحاول أن يحتمل. لا أحد يعرف إلى أين تتجه بورصة الورق، المادة الأولية التي منها تصنّع مئات المنتجات، وما الكتب إلا فرع صغير، لكنه نبيل وجميل.

يسجل تراجع كبير في سوق كل الوظائف المتعلّقة بالطباعة والنشر والتغليف وصناعة العبوات على أنواعها. سعر أغلى يعني طلباً أقل على مواد يمكن الاستغناء عنها، ولو جزئياً. المبالغة في استخدام الورق جاء بفعل الرفاهية المفرطة، والازدهار المصطنع.

ارتفع سعر الورق في مصر 300 في المائة، ولا بد أن تجد من يدفع الثمن. صديقي الزميل سيد محمود على حقّ، حين يطلب من القارئ المصري أن يجد الحلّ بنفسه، بدل الصدود الكلي، ومعاقبة قطاع بأكمله. ليكتفِ القارئ بشراء كتاب أو اثنين بدلاً من 3 أو 4 كتب. «اعمل تبادل لعناوين مع أصحابك… جمال الكتاب لما بيدور من يد ليد». هناك عودة عالمية إلى عادات قديمة، ظنناها اندثرت. التخلّي عن الأكواب الكرتونية، بعض التغليفات المكلفة، الصحون الورقية. كل يبحث عن طريقته في تخفيف الوطأة. في معرض القاهرة للكتاب، تم الاتفاق مع «بنك مصر»، لتقسيط سعر الكتب التي يتم شراؤها من القراء، على 9 أشهر أو سنة من خلال خدمة بطاقة الفيزا. حسناً، إذا كان خلاط المطبخ يقسّط والجوال والكومبيوتر، فلماذا لا يسري الإجراء نفسه على الكتاب؟

مع انهيار البنوك في لبنان، وجد الناشرون في معرض بيروت للكتاب حلاً من نوع آخر، أخرجوا الكتب القديمة، وعرضوا أرشيفهم الثمين، وكنوزهم المخبأة، بأسعار ضئيلة، خدمة لطرفي المعادلة. الناشر يتخفف من أعباء التخزين، والقارئ يستمتع بأرخص الأسعار. معرض فرانكفورت للكتاب يضيق أعماله، ويسرّح موظفيه. معارض أخرى تُدخل إلى جانب الكتب بضائع أكثر جاذبية.

أعلن أكبر تجمع للصحف الفرنسية «إبرا» عن تكلفة بلغت 16 مليون يورو، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والورق معاً، وأن المطبوعات الفرنسية المنتمية للتجمع، وتوزع مليون نسخة، جعلت 50 في المائة من محتواها على منصاتها الإلكترونية محجوباً، كي تواجه الأزمة.

الأرقام العربية للصحف والكتب هزيلة. وهي صناعات تتألم من التضخم العالمي، والانكسار الاقتصادي الداخلي معاً. الوجع مزدوج. تتحدث صاحبة «دار الآداب» عن 1000 نسخة من الكتاب الواحد ليس أكثر باتت تطبع لـ400 مليون قارئ عربي مفترض. قليل جداً منها ما ينفد بالفعل، أو يتمكن الكتاب من بلوغ طبعته الثانية. قبل سنوات قليلة، كنا نتحدث عن 3 آلاف نسخة. هذا يعني أن الانحدار سريع ومتواصل.

من المفارقات أن الناشرين تعبوا ويئسوا من مكافحة القرصنة. بإمكانك أن تحصي القراء في دول كثيرة في العالم، لكن العرب ليسوا من بينهم. فالكتاب قد يبيع 200 نسخة ويقرأوه 10 آلاف مقرصن على الإنترنت. لا مجال لفهم السوق أو عمل دراسات دقيقة حين تسود الفوضى.

الوضع صعب «بين أن يبقى الناس بلا قراءة أو يقرصنون كتبنا ويستمتعون بها، أفضّل الثانية» تجيب صاحبة «دار الآداب»، المناضلة في عالم النشر المتقّلب، رنا إدريس. «لا بأس» تقول ناشرتنا «طالما أن الدار لا تزال قادرة على الوقوف على رجليها، وتفي بمستحقاتها، وتكمل مسيرتها».

انخفضت المداخيل في كل المهن. لكن الكتاب عند العربي من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة. لذلك، فهو حلقة ضعيفة. «مستقبل الكتاب في الضباب. كلنا نعاني؛ ناشرون، موزعون، بائعو كتب، في مصر كما في أي مكان آخر، المبيعات غير مرضية»، يشرح رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد. في معرض كتاب القاهرة، سينخفض عدد الإصدارات عن دورات سابقة. وفي العالم كله، قد نرى كتباً مطبوعة على ورق أقل أناقة، وأغلفة أكثر تواضعاً.

صناعة الورق البسيط الذي نستخدمه لكتابة ملاحظة، أو لفّ هدية، أعقد كثيراً مما نعتقد، فهي تتأثر بالمحاذير البيئية المستجدة، ورفض التوحش في التعامل مع خشب الأشجار، والإضرابات العمالية في الجزء الشمالي من أوروبا، خصوصاً فنلندا، وكذلك ارتفاع سعر الصمغ، وتعثر سلاسل التوريد، وشحّ المادة نفسها، في الأسواق. وإذا اضفت إلى كل هذا ارتفاع سعر الطاقة التي هي جزء أساسي تصل إلى ربع تكلفة صناعة الورق، تدرك أن الورقة الواحدة مسارها أطول وأصعب مما كنت تتخيّل.

فقدت أوروبا 25 في المائة من قدرتها على إنتاج بعض أنواع الورق في السنوات الأخيرة، لأسباب بيئية. وأغلقت مجموعة الصناعات الورقية العالمية الفنلندية «ستورا إنسو» أربعاً من مصانعها الخمس، راغبة في التوجه صوب صناعة خضراء مستدامة.

مساعدة دور النشر المستمرة، ومساندتها في أوروبا من قبل الحكومات، ليست مجرد مكرمة وحباً في الثقافة، فهي توظف 640 ألف شخص، وتحقق مبيعات تراكمية تبلغ 82 مليار يورو.

أمران سيجعلان أزمة الورق طويلة ومعقدة. البحث عن حلول مستدامة، تحمي البيئة، والنظر إلى قطع الشجار ككارثة إنسانية كبرى. أما الأمر الثاني فهو ارتفاع سعر الطاقة التي بدونها لا تصنيع ولا مواصلات ولا طباعة أو كتاب.

المصدر: صحيفة “الشرق الأوسط”

 

أخبار حديثة

25نوفمبر
آلاف العناوين تتألق في معرض الكويت الدولي للكتاب

آلاف العناوين تتألق في معرض الكويت الدولي للكتاب

تتواصل فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب وسط حضور لافت من دور النشر العربية والأجنبية، التي بلغ عددها أكثر من 611 دار نشر تمثّل 33 دولة، حيث تبدو أروقة المعرض كأنها خريطة واسعة للمعرفة، تتقاطع فيها العناوين الجديدة مع الإصدارات الكلاسيكية، وتختلط فيها الكتب العلمية بالروايات والتاريخ والفنون. ومع مئات الآلاف من العناوين المعروضة، يجد القارئ […]

24نوفمبر
بيع نسخة نادرة من سوبرمان بـ9.12 مليون دولار

بيع نسخة نادرة من سوبرمان بـ9.12 مليون دولار

في واقعة تبدو كأنها خارجة من صفحات القصص المصوّرة نفسها، تحوّلت علّية منزل قديم في شمال كاليفورنيا إلى كنز ثقافي بعد العثور على نسخة نادرة من العدد الأول لمجلة “سوبرمان” الصادرة عام 1939. وقد جرى بيع هذه النسخة مؤخراً في مزاد علني مقابل 9.12 ملايين دولار أمريكي، لتُصبح أغلى مجلة قصص مصوّرة بيعت في التاريخ، […]

18نوفمبر
ضيف عمره 4 قرون في قلب أبوظبي

ضيف عمره 4 قرون في قلب أبوظبي

تشارك دار “بيتر هارينغتون”، إحدى أبرز دور الكتب النادرة بالعالم، في فعاليات معرض “فن أبوظبي” الذي يقام في الفترة من 19 إلى 23 نوفمبر 2025 في منارة السعديات، بعرض النسخة الأولى من أعمال شكسبير الكاملة للبيع في المعرض، والتي تشكّل أحد أهم الكنوز الأدبية في التاريخ الحديث والمُقدّر سعرها بـ 4.5 مليون جنيه إسترليني (نحو […]

Related Posts

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

فالنتينو والخيط الرفيع بين الجمال والمعنى

في عالم يزدحم بالعلامات التجارية والأسماء اللامعة، تبقى "فالنتينو" استثناءً فنياً نادراً، فهذه العلامة الإيطالية اللامعة ليست مجرد دار للأزياء والموضة، بل رؤية ثقافية وفكرية للجمال الإنساني، حيث يتجاور الخيط مع الفكرة، ويتحوّل القماش إلى استعارة للذات، كما يتحوّل النص...

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟

  حين يرسم الأدب خرائط السفر.. كيف توجّه كتب الرحلات اختياراتنا؟   في كل حقبة من التاريخ، كان السفر فعلاً يفتح الآفاق، لكن الكتب كانت دائماً البوصلة التي تمنح الرحلة معناها وتوجّه خطوات المسافر. فأدب الرحلات لا يكتفي بوصف الأمكنة، بل يصوغ صورة متخيَّلة لها، قد تبدو في...

من إستونيا إلى آيسلندا.. حكايات لغات صغيرة تتحدّى الذوبان

من إستونيا إلى آيسلندا.. حكايات لغات صغيرة تتحدّى الذوبان

تتعرّض اللغات الصغيرة، أو تلك التي يقتصر عدد متحدثيها على بضعة ملايين فقط، إلى ضغط متزايد في ظل العولمة الثقافية وهيمنة اللغة الإنجليزية في النشر، والتعليم، والإعلام. فالحضور الطاغي للإنجليزية لا يهدّد التواصل اليومي فحسب، بل يطال صناعة الكتاب ذاتها، حيث تتأثر خيارات...

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this