نحن نلهث في زمن سريع التحولات، لدرجة أننا غالبا لا نجد الوقت لتحليل ما يمر بنا، لذلك تقترح صالحة عبيد على قارئها من خلال كتاباتها القصصية والروائية أن يهدأ قليلا و أن يرى بتمعن ما حدث وما سيحدث.
وتضيف الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد في ندوة تحت عنوان “تاريخ الرواية الإماراتية” ضمن فعاليات مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته العاشرة، إن عليها مسؤولية تجاه القارئ بأن تجعله يأخذ وقته على مهل، ليفكر بشكل رصين وهادئ، فيما حدث ويحدث حوله من تغيرات هائلة وسريعة في المكان والأشخاص والحياة في قلب الشارقة كمكان محتضن لشخصيات وأحداث روايتها، وفي الإمارات بشكل عام.
ضمت الندوة كذلك الروائيين الإماراتيين محمد الحبسي كاتب رواية “كوخ الشيطان”، ونادية النجار صاحبة رواية “ثلاثية الدال”، وأداراها إبراهيم خادم الذي أكد في البداية أن النقاش لن يكون استعراضا كرونولوجيا تأريخيا للرواية الإماراتية و إنما سيتجه نحو بحث موضوع التاريخ واستخدامه كأداة سردية داخل الرواية الإماراتية، من خلال محاورة الكتاب الثلاثة عن أعمالهم وعن تموضع التاريخ فيها واستخداماته الروائية.
وأمام جمهور غصت به قاعة الخيمة في فندق انتركونتينانتال دبي أكد الحبسي أن روايته لا تتقيد بالزمن وليس هو مبحثها الأوحد، وإنما تغوص داخله كي تستكشف المكان، وأوضح الحبسي أنه يتحدث عن عادات أهل الجبل في منطقة محددة من الإمارات، ويستكشف كيف يحيون، وكيف يصعدون الجبل، وما هي دروبهم السرية التي لا يعرفها الكثيرون.
ويقول الحبسي: “روايتي هي محاولة لتقديم نمط معين من الحياة في الجبل ليس معروفا لكثير من القراء، والزمن والتاريخ بشكل عام هنا ليس إلا وسيطا من أجل الانتقال عبر المكان، من معاصر حالي إلى مكان جبلي له بعده الزمني العميق”.
صاحبة رواية “ثلاثية الدال” نادية النجار تحدثت عن التاريخ باعتباره شكلاً أساسا لروايتها، فهي تحكي عن غرق سفينة دارا في الستينات من القرن الماضي، لكنها بشكل آخر مواز كما قالت تحكي عن مدينة دبي القديمة، ونمط الحياة فيها، ونوعية العادات، والتعليم، وتفعل كل ذلك من خلال تتبع الناجين من غرق سفينة دارا وكيف أثرت الحادثة الرهيبة عليهم لسنوات عديدة لاحقة، وكيف تغيرات أحوالهم، مستكشفة من خلال تتبع ذلك التاريخ مختلف التغيرات التي حدثت في المجتمع مقارنة مع الماضي.
وعن دوافع العمل الأدبي لدى الروائيين، أشارت صالحة عبيد أنها سعت من خلال روايتها التي لم تصدر بعد إلى جعل القارئ يعود إلى منطقة قلب الشارقة، ليستكشفها من جديد على ضوء ما كتبته هي عن ماضيها، ويقارن بنفسه بين الزمنين المختلفين اللذين اختارتهما كإطار تاريخي لسردها.
و لفتت صالحة عبيد إلى أنها لا تفضل أن ترتبط شخوص رواياتها وقصصها القصيرة بمكان محدد، وقالت إنها تسعى إلى أن تجعل شخصياتها تعبر عن مشاعر إنسانية يمكنها أن تتقاطع مع أي شخصيات أخرى في أي مكان وزمان من العالم.
من جهته قال الحبسي: “إن الروائي لا يصنع تاريخا، وإنما يغوص في التاريخ، ويعكس من خلال استغراقه في بيئته المحلية، وفي سطور روايته كل ذلك العبق التاريخي، والسيرورة الزمنية بما حملته من أحداث وشخصيات وعادات وثقافات.
وأكد الحبسي أن الدافع لديه عندما كتب روايته “كوخ الشيطان”،كان تعريف أبناء الإمارات بجزء من بيئتهم المتمثل في البيئة الجبلية.
أما نادية فقالت إن الدافع الذي جعلها تكتب روايتها هو مقال صحفي قرأته عن غرق السفينة دارا، فاهتمت بالتعرف على نوعية الحياة التي كانت عليها، وعن الناجين منها وكيف عاشوا ويعيشون ذكريات تلك التجربة الكارثية، وتحدثت النجار عن لقائها بأحد الناجين، وكيف أنه كان يحكي لها الحادثة الرهيبة وكأنه عاشها للتو.
واختتمت الجلسة بسلسلة نقاشات مفتوحة بين الحاضرين والكتاب المشاركين، توقفوا خلالها عند الجهد الذي تحتاجه الرواية التاريخية، وأهمية الاستماع إلى شهادات حيّة، وضرورة توخي الحذر والدقة في الحديث عن مراحل زمنية سالفة لمجتمعات معينة.