التحرير الجيد عامل أساسي لإبراز أفضل ما في النص قبل إعداده للنشر، ولما له من أهمية خصص “برنامج النشر”، إحدى فعاليات دورة العام 2019 من “مهرجان طيران الإمارات للآداب”؛ جلسة للحديث عن “أهمية التحرير الأدبي”، استضافت كلاً من عبد الوهاب السيد الرفاعي، الناشر والروائي الكويتي، وأحد أوائل الكتاب في الخليج العربي الذين تخصصوا في أدب الجريمة والخيال العلمي، ونبيهة محيدلي، كاتبة لبنانية وصاحبة دار نشر لكتب الأطفال ومحاضرة جامعية، وأليسون وليامز، كاتبة ومؤلفة ومحررة أدبية أميركية.
بدأ الرفاعي الحديث بالإشارة إلى غياب ثقافة التحرير الأدبي عن صناعة النشر العربية؛ حيث أكد أن “95% من دور النشر العربية لا توجد لديها ثقافة التحرير الأدبي”. والتقطت وليامز طرف الحديث لتقول إنها تقوم بالتحرير الأدبي من خلال عدة محاور: “أولها المحور العقلي أو الذهني، ثم محور فهم الفكرة وتركيبة اللغة المكتوبة ولغة القراء الموجه إليهم النص، وبعدها مراجعة الأسلوب وعلامات الترقيم، وفي النهاية تتم مراجعة النص للتأكد من جودة المادة المكتوبة وترابط الفكرة وضمان عدم التناقض والاختلاف”.
أما محيدلي فتختلف تجربة التحرير الأدبي بالنسبة إليها، وحسب قولها فإن “مشكلة نص أدب الطفل أن حجمه لا يتجاوز 300 كلمة، وبقية المساحة متروكة للرسم”. وأضافت أن التحرير الأدبي لكتب الأطفال يمر بثلاث مراحل: “أولاها المرحلة البنيوية والتي تعني البحث عن الفكرة الجاذبة في النص، والعمل على تطويرها، والثانية هي مرحلة تحرير النص؛ أي تحرير الأسماء وضبط الحقائق والمصطلحات العلمية، وخلو النص من الحشو والإضافات، خصوصاً بالنسبة إلى النصوص المترجمة، وتصحيح المعلومات ومسار القصة. وأخيراً مراجعة علامات الترقيم وضمان أن يتوافق النص مع الرسم”.
ولفتت نبيهة إلى أنه إذا آمنت دور نشر كتب الأطفال في العالم العربي بضرورة التحرير الأدبي، سيتحسن أداؤها كثيراً؛ لأنه عندها سيمكن تفادي المشكلات التي نراها في كتب الأطفال، ونادت بضرورة أن تتحلى دور النشر بالشجاعة الكافية ليكون لديها “سلة مهملات”، تُلقى فيها النصوص التي لا تصلح والأفكار غير المكتملة!
من جهته أكد مدير الجلسة نيل هويسون أن “التحرير الأدبي مفيد في إيضاح النص وضبط سياقه، وأن المحرر يشكّل حلقة الوصل بين الكاتب والقارئ”، ووافقته وليامز على ذلك عندما أشارت إلى أهمية إيمان الكاتب بحاجته إلى تطوير النص والنظرة الخارجية إليه، وهو ما يتمثل في التحرير الأدبي؛ “فللكاتب مسودة أولى يكتب فيها ما يحتاج إلى أن يقوله لنفسه، ومسودة ثانية هي التي تتضمن ما يقوله للناس وهي التي يتم تحريرها”، واصفة التحرير الجيد بأنه التحرير غير المرئي، الذي يوجه الكاتب وينهض بأسلوبه ويقدم نصاً محسّناً إلى أقصى درجة.
أما الرفاعي فرغم إيمانه بأن كل كاتب في العالم يحتاج إلى محرر، إلا أنه كناشر لا يلجأ إلى التحرير الأدبي، حيث يقوم بدلاً عن ذلك باختيار أفضل النصوص من بين ما يعرض عليه، ليختار النصوص ذات الفكرة المتماسكة المترابطة واللغة السليمة، في تأكيد لغياب التحرير الأدبي عن صناعة النشر العربية.
في حين أرجعت محيدلي غياب ثقافة التحرير الأدبي عن مشهد النشر العربي، إلى ما تصفه بالاستسهال في النشر ورغبة الجميع في أن يكونوا كتّاباً، مشيرة إلى أن دور النشر في مصر ولبنان قديماً، هي التي كانت تقوم بدور المحرر الأدبي للنصوص قبل نشرها. وشددت على أن عملية التحرير لا تتضمن فقط التدقيق اللغوي، بل يجب أن تتضمن اختصار النص وإعادة الكتابة؛ “فأحياناً تكون لدى الكاتب فكرة جيدة ولكنه يفتقد أدوات التوصيل، وهنا يكون دور التحرير الأدبي”.