تتناول الرواية الإيطالية، “ديسيباشيو إتش جي” Dissipatio H.G، للمؤلف الإيطالي الشهير غويدو مارسيلي، قصة الاختفاء المفاجئ للبشرية في حادث مروع، تاركة وراءها رجلاً واحدًا كشاهد وحيد على هذا العالم.
مؤخرًا، تم نشر “ديسيباشيو إتش جي” باللغة الإنجليزية في ترجمة للصحفية الراحلة فريدريكا راندال، التي تحولت للعمل في مجال الترجمة من وإلى الإيطالية بعد تعرضها لمشكلات صحية نتجت عن سقوطها.
تبدأ حبكة الرواية بمحاولة انتحار فاشلة لبطل أو راوٍ لم يذكر المؤلف اسمه، يعيش وحيدًا في ملاذه المحاط بالمروج والأنهار الجليدية، يقرر المشي عشية عيد ميلاده الأربعين إلى كهف لإلقاء نفسه في بئر مؤدٍ إلى بحيرة تحت الأرض.
بعدما يفشل البطل في الانتحار بالقرب من البئر، يعود إلى منزله ويستلقي على السرير مرتديًا ملابسه، ثم يقرر الانتحار بالمسدس، وهو في حالة انزعاج من تغيّر خططه في اللحظة الأخيرة. يلتقط البطل المسدس، باعتباره الحل الأسهل، ويصوب فوهته إلى فمه، ثم يسحب الزناد مرتين إلا أنه لا يعمل، فيغط في نوم عميق.
عادة، تضفي الروايات حول اقتراب انقراض البشرية طابعًا دراميًا على عملية تلاشيها مع إعطاء دروس حول هشاشة الحضارة وسهولة الإحساس بتهاوي المجتمع بعد إصابة الناس باليأس. إلا أن مورسيلي في روايته يتجاهل الطابع الدرامي لتناقص عدد السكان، ويرتكز المكون الرئيسي عنده في هذا النوع من الروايات على جوهر مؤثرات ونتائج تناقص العدد وتداعياته.
فبطل رواية مورسيلي ليس شخصًا يعتز بالعلاقات الاجتماعية، ولكنه إنسان مفتون بإبادة الذات، ومنعزل بعيدًا عن المجتمع منذ فترة طويلة. وعلى ما يبدو فإن ذهن المؤلف منشغل بالإجابة عن أحد الأسئلة التي طرحها في الرواية وهو كيف كان الجميع على قيد الحياة في المقام الأول؟
كما تركت الظاهرة غير المرئية المفاجئة التي أفرغت شوارع المدن والقرى، بطل الرواية في مأزق وجودي يتشابه إلى حد كبير مع الحياة الحالية أثناء جائحة كورونا، وفيما يبدو تتمثل كل مرحلة من مراحل الحجر الصحي الذي عم العالم في هذه الرواية الصغيرة، بدءًا من المتعة القصيرة الأمد في استمتاع الطبيعة بالأرض القديمة إلى الدوافع الغامضة لتدوين الملاحظات، والرغبة العديمة الجدوى للتزيّن والزواج.
وفي حقيقة الأمر، تعتبر النغمة الساخرة سمة من سمات روايات الكاتب مورسيلي، ولكنك تستطيع أن تلمح النبرة العصبية في نكاته، ولا يستطيع حكّاء رواية مثل هذا النوع من الكوارث إلا إذا كان على دراية بالوحدة لكي يصف هذه الكارثة الواقعية القاسية المؤدية إلى الانعزال، فيسرد بداياتها الخاطئة وانقطاعاتها، والتمازج الغريب بين مشاعر القلق والملل، وفي النهاية هناك ثمن لكل تجربة.
المصدر: “نيويوركر“