تتحوّل دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل متسارع إلى قوة مهيمنة في صناعة النشر الإقليمية، مستفيدة من مبادراتها الاستراتيجية واستثماراتها في البنية التحتية والمشاريع الثقافية. وبفضل رؤيتها التي تتماشى مع أهدافها الأوسع نطاقاً في التنويع الاقتصادي والتأثير العالمي، من المتوقع أن تقود الإمارات قطاع النشر في المنطقة والعالم العربي خلال العقد المقبل.
أبوظبي: معرض الكتاب ومشروع “كلمة”
قطعت العاصمة الإماراتية أبوظبي خطوات كبيرة في ترسيخ نفسها كمركز ثقافي، وخاصة من خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي انطلق في عام 1981، ونما ليصبح أحد أهم معارض الكتاب في العالم العربي، حيث يجذب أكثر من 1000 عارض من أكثر من 50 دولة سنوياً. ولا يعد المعرض منصة لتبادل الأفكار فحسب، بل يمثل أيضاً سوقاً حيوياً للناشرين الإقليميين والدوليين، ما يسهل بيع وترجمة الأدب العربي. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي في العديد من المبادرات مثل مشروع “كلمة”، الذي يتولى ترجمة الأعمال الأدبية والفكرية والعلمية العالمية المهمة إلى اللغة العربية، ما يثري المشهد الثقافي في المنطقة.
دبي: اقتصاد قائم على المعرفة وشراكات عالمية
تشتهر دبي برؤيتها الثاقبة ومشاريعها الطموحة، كما تترك بصمتها في صناعة النشر. تأسست مدينة دبي للإعلام في عام 2000، وهي منطقة حرة مخصصة لشركات الإعلام والنشر. وتستضيف أكثر من 2000 شركة، بما في ذلك شركات دولية مثل “هاربر كولينز”. ويتجلّى تركيز دبي على تعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة في مهرجان طيران الإمارات للآداب، الذي أصبح حدثاً ثقافياً مهماً في المنطقة. يجذب المهرجان المؤلفين والشعراء والناشرين من جميع أنحاء العالم، ما يوفر منصة للحوار والتعاون. علاوة على ذلك، تلعب مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة دوراً محورياً في تعزيز الأدب العربي وثقافة القراءة من خلال مبادرات مثل “مكتبة دبي الرقمية”، التي تعمل على رقمنة آلاف الكتب العربية، إلى جانب الصرح الثقافي الأحدث في المنطقة: مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم.
الشارقة: منارة ثقافية تحظى بتقدير عالمي
لا يمكن الحديث عن صناعة النشر في العالم العربي، من دون الاعتراف بمكانة وحضور الشارقة، فالتزام هذه الإمارة بالثقافة والأدب لا مثيل له في المنطقة. وقد اختيرت الشارقة عاصمة عالمية للكتاب من قبل اليونسكو في عام 2019، وقبلها نالت لقب العاصمة الثقافية في العالم العربي لعام 1998 وعاصمة الثقافة الإسلامية عام 2014. ويعد معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تأسس عام 1982، الأكبر في العالم العربي والثالث على مستوى العالم. في عام 2022، اجتذب المعرض أكثر من 2.17 مليون زائر وشارك فيه 2213 ناشراً من 95 دولة. فيما تقدّم المنطقة الحرة لمدينة الشارقة للنشر، أول منطقة حرة للنشر والطباعة في العالم، دعماً لا مثيل له للناشرين من خلال مرافق حديثة وإعفاءات ضريبية وحقوق ملكية 100٪، هذه إلى جانب العديد من المؤسسات الثقافية الناشطة في هذا المجال مثل مكتبات الشارقة، وبيت الحكمة، والمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، ومجموعة كلمات.
إن الاستثمارات الاستراتيجية التي تبنتها دولة الإمارات العربية المتحدة في قطاعي الثقافة والنشر، إلى جانب رؤيتها للاقتصاد القائم على المعرفة، تضعها في موقع الريادة بصناعة النشر الإقليمية. ومع الدعم المستمر للمبادرات الثقافية والمشاريع المرتبطة بعالم النشر وصناعة الكتاب، فإن الإمارات في طريقها إلى أن تصبح عاصمة النشر في المنطقة والعالم العربي خلال السنوات العشر المقبلة.