باريس – شوقي بن حسن
اكتشاف كتاب يعود إلى قرنين من الزمن يعدّ في حدّ ذاته حدثاً، فما بالنا إذاً باكتشاف مكتبة برمّتها؟
هذا ما حدث بالفعل في مدينة بويون البلجيكية، إذ شغل الاكتشاف وسائل الإعلام الأوروبية، ولا زالت الاحتمالات مفتوحة على محتوى المكتبة وما ستضيفه لخزانة المعرفة الإنسانية.
وقع الاكتشاف بفضل هنري غوتدس، وهو خبير مقتنيات قديمة يعمل في إحدى صالات بيع التحف في بروكسيل؛ “هوتيل دو فوت هورلا”، حيث صرّح غوتدس لصحيفة “لو فيف” البلجيكية بأن المكتبة تعود إلى مثقف فرنسي فرّ من بلاده إبان أحداث الثورة الفرنسية (1789 والعقد الذي تلاها) وأقام في بلدة بويون البلجيكية، وظل يجمع الكتب في مكتبته الخاصة، ومنذ رحيله ظلت مغلقة.
وأشار غودتس -في اللقاء ذاته- إلى أنه “من النادر جداً أن نعثر على مكتبة أصليّة تعود إلى القرن الثامن عشر، وحتى من القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين، وهذه أهمية الاكتشاف”، وأضاف “حين دخلت المكتبة، شعرت وكأنني دخلت في آلة الزمن التي تتحدّث عنها روايات وأفلام الخيال العلمي. لقد عدت قرنين إلى الوراء”.
وصل غوتدس إلى المكتبة بفضل جلسات حديث مطوّلة مع أحد أحفاد صاحب المكتبة، والذي سبق أن توجّه مع أفراد من أسرته إلى صالة العرض التي يعمل فيها غودتس وأعلن عن نيّته بيع أثاث بيت أسري قديم، غير أن خبير المقتنيات القديمة اكتشف ما هو أكثر أهمية.
الشيء المثير الآخر في المسألة هو أن الكتب التي عثر عليها في المكتبة في حالة معقولة للغاية؛ بعضها قابل للتصفّح والبعض الآخر تأثر بالزمن واحتاج غودتس إلى مساعدة خبراء كي يتصفّحها، إذ بلغت حصيلة الجرد الذي قام به غوتدس هو مجموعة من 180 كتاباً معظمها نادر، باعتبار أن الطبعة المتوفرة في ذلك الزمن هي الطبعة الوحيدة.
المحتوى الأساسي في المكتبة هو المواد الجغرافية، ولعل الجانب الأهم هو كونها تتحدّث عن الشعوب غير الأوروبية في الفترة ما قبل الاستعمارية، وأهم قطعة هي “أطلس” (مجموعة خرائط) أنجزه الجغرافي البلجيكي أبراهام أورتيليوس والذي يعتبر أحد أبرز راسمي الخرائط في القرن السادس عشر.
القضية اللافتة في اكتشاف المكتبة، أن محتوياتها وُضعت مباشرة للعرض، والبيع لاحقاً. وهو ما يعني أن المكتبة التي حافظ عليها الزمن قرنين، كان اكتشافها سبباً في تحويلها إلى بضاعة في أيام قليلة، وتشتيت محتوياتها.