تقدم المترجمة العراقية هند سعيد، المستشارة الثقافية والوكيلة الأدبية، برنامجاً ثقافياً أدبياً أسبوعياً على قناة “يوتيوب” تحت عنوان “حوار الكتب”، يهدف ليس فقط إلى الترويج عن الكتب لقراءتها فقط، وإنما أيضاً إلى الارتقاء بذائقة الابداع والثقافة لدى المستمع والمشاهد، حيث نجحت في استضافة كوكبة من الكُتاب والشعراء خلال الفترة الماضية، وقامت بعرض العديد من الكتب والروايات.
وفي هذا الحوار مع “ناشر”، تتحدث سعيد عن حياة الكاتب ورحلة الكتابة، وتأثير جائحة كورونا ومواقع التواصل الاجتماعي على القراءة، وفكرة برنامجها “حوار الكتب”، إضافة إلى جوانب من خبرتها في التعامل مع المؤلفين والناشرين، ورأيها في مستقبل القراءة وصناعة الكتاب بالعالم العربي.
* من واقع خبرتك، هل يمكن لأي شخص أن يصبح كاتباً بالتدريب، حتى ولو لم تتوفر لديه موهبة الكتابة؟
يمكن للشخص أن يصبح كاتباً لمقالات أو كاتباً لدراسة أو بحث إذا تدرّب على ذلك، لكن لا يمكن أن يكون كاتب قصص أو روايات إذا لم تتوفر لديه الموهبة. ومن خلال خبرتي، لاحظت أن بعض الأشخاص لديهم الموهبة لكن لا يعرفون كيف ينمونها ويدرّبونها، لذا نرى نتاجاتهم تكون ناقصة لكن فيها بعض الموهبة – أي قد لا يكون هناك ترابط بين الشخصيات والأماكن والأحداث، أو ذا لغة ضعيفة وتنقصها بعض التفاصيل الصغيرة غير الظاهرة.
أعتقد أن موهبة الكتابة تحتاج إلى أن يتمتع صاحبها بالقدرة على نقل ما يراه على الورق، وأن يكون هناك الخيال الواسع والإبداع والإدراك الكامل للحياة، والقدرة على بناء واقع كامل للقصة، إضافة إلى الثقافة العامة وغيرها. ومع الأسف، الكثير من الكُتّاب الشباب همهم الأول هو النشر ليصبحوا كُتّاباً، لذا لا يرغبون ببذل الطاقة والوقت لتنمية مواهبهم وصقلها قبل النشر، ومع وجود الناشرين التجاريين الذين يتقاضون أجوراً مقابل نشر الكتاب بدون تنقيح أو تدقيق، يصبح الشخص الذي لديه بعض الموهبة أو لا موهبة لديه على الإطلاق – كاتباً.
* ما هي مواصفات الكاتب الجيّد؟.. وما الذي يحتاج إليه الكاتب كي يمارس الكتابة كفعل يومي مستمر؟
الكاتب الذي لديه خبرة في الكتابة ومارسها لفترة من الزمن، أصبح لديه أسلوب حياة مناسب له لكي يمارس الكتابة كفعل يومي مستمر، لكن بالتأكيد هناك بعض الممارسات التي على كل من يريد أن يكون كاتباً أن يقوم بها وهي الكتابة اليومية – والتي قد تتضمن كتابة الأحداث اليومية، والقراءة والاطلاع، والثقافة العامة، وتجارب الحياة. وأعتقد أن على الكاتب أن يكتشف نقاط الضعف في نفسه التي قد تحول بينه وبين الكتابة، وأن يتعلّم كيف يتخلّص منها. وبعد كل هذا عليه تنظيم وقته لكي يتمكن من الكتابة اليومية والاستمرار فيها.
* بحكم عملك كوكيلة أدبية. لماذا لا يهتم كثير من الكُتّاب العرب بوجود وكيل أدبي يروج لأعمالهم؟
يمكن القول إن مصطلح الوكيل الأدبي لا يزال غير مفهوم للكثيرين في عالمنا العربي. فقد لجأ لي بعض الكُتّاب ومنهم الذين لم ينشروا من قبل، لعرض أعمالهم على الناشرين. وعملي كوكيلة أدبية يتمثل في أن أقرأ النص وأضع بعض الملاحظات عليه وقد اقترح بعض التغييرات أو التنقيح والتدقيق قبل عرضه على الناشر. لكن البعض لا زال غير متقبل للنقد الإيجابي، ويغضب عندما أبدي أي ملاحظات على كتاباته، ويقول إنه سينشر الكتاب على حسابه، وهنا نقطة أخرى تحتاج إلى فهم من الكثيرين وهي أن النشر الذاتي لا يعني أن يكتب وينشر من دون مراجعة وتنقيح وتدقيق.
* يقال إن جائحة كورونا زادت من اهتمام دور النشر بالترجمة والأدب المترجم، ما رأيك؟ ولماذا؟
شهد عالم الكتاب تغيّراً لافتاً من ناحية الترجمات ونقل الثقافات ربما لأن العالم كله تشارك في جائحة كورونا، فأصبح هناك عامل مشترك بيننا جميعاً حول العالم. وهناك بالفعل توجه متزايد من القراء العرب نحو الكتب المترجمة، وكذلك اهتمام لافت من قبل عدد من الناشرين العرب بإعادة ترجمة الكتب القديمة والكلاسيكية، ربما نتيجة زيادة الطلب عليها، وبالمقابل هناك انفتاح من قبل دور النشر الغربية في الاطلاع على الكتب العربية وخاصة إصدارات الأطفال، ربما رغبة منها في نشر التسامح والمحبة وعدم التفرقة بين الأطفال.
* لنتحدث عن برنامج “حوار الكتب”، ما هي فكرته، وما الذي يميّزه عن غيره من البرامج المتوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
خلال عملي السابق مديرة للبرنامج العربي في مهرجان طيران الإمارات للآداب، وعملي الحالي، قرأت وأقرأ الكثير من الكتب التي وجدت كثيراً منها جيّدة، ولكنها لا تأخد مسارها الصحيح ولا يَطلع عليها القراء. كما أن وجود العدد الكبير من الكتب في المعارض والمكتبات يضع بعض الأشخاص في مأزق البحث عن الكتاب الجيّد وبالتالي يقتنون أعمالاً للكُتّاب الذين قرأوا لهم سابقاً أو المشهورين منهم. لذلك قررت تقديم برنامج أسبوعي، صباح كل سبت، لا تزيد مدته عن نصف ساعة، يتضمن لقاءً مع كاتب حول أحد كتبه ثم نترك عشر دقائق لأسئلة الجمهور. وهكذا يتعرّف القراء على الكتاب من خلال الكاتب ويبقى لهم الخيار في قراءته أو لا.
وقد توسعت مؤخراً في البرنامج ليشمل “حديث الإبداع”، وهي مقابلات لبعض الأصوات التي ليس بالضرورة لها كتاب، ولكن لديها موهبة أو إبداع، مثل الشعراء والرسامين. وأتمنى في المستقبل أن يكون لي تعاون مع دور النشر ليكون “حوار الكتب” امتداداً لعملهم ولنلقي الضوء على إنتاجاتهم المهمة والجيّدة.
* هناك رأيين متناقضين حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على القراءة، البعض يراها مفيدة لترويج الكتب والمؤلفين، والبعض الآخر يرى أنها سلبية تروج للقراءة السطحية.. ما رأيك؟
أعتقد أن الرأيين صحيحين، فوسائل التواصل الاجتماعي وسيلة جيّدة للترويج للكتب وللمؤلفين من خلال بعض المقابلات أو مراجعات الكتب، ولكن في نفس الوقت يكتفي البعض بقراءة سطور عن كتاب ما أو أن يسمع مراجعة أو تلخيصاً له، ويعتقد أنه بذلك قد قرأ الكتاب وهذا بالطبع مفهوم خاطئ، لكن هذا ليس بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وإنما نتيجة فهم الشخص للقراءة واستخدام هذه الوسائل. وفي بعض الأحيان هناك من يروج بصورة مكثفة إلى كتاب غير جيّد، وبالتالي نرى الجميع يتكلّم عنه ويقتنيه وهذا تأثيره سلبي على الذوق العام والقراءة بشكل خاص.
* كيف تنظرين إلى مستقبل القراءة في العالم العربي؟ وما هو المطلوب من الحكومات والمؤسسات لزيادة الاهتمام بالكتاب؟
أعتقد أن مستقبل القراءة في العالم العربي بدأ ينضج بصورة صحيحة ولكنها بطيئة وعلى مدار صغير جداً، فهناك القراء الذين لا يزالون يبحثون عن الكتاب للقراءة، وتكون القراءة جزءاً من حياتهم اليومية، ولكن عند الأكثرية مازالت القراءة شيئاً عابراً في حياتهم.
أما كيف يمكن للمؤسسات دعم الكتاب، فالبداية يجب أن تكون من مكافحة قرصنة الكتب، وزيادة الاهتمام بالتنقيح والتدقيق ومراجعة الكتاب، كما أن وجود البرامج التي تساعد الكُتّاب على تطوير مهاراتهم والتفرغ للكتابة مهمة لدعم صناعة الكتاب بشكل عام.