في عام 1966، أصبح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، حاكماً لإمارة أبو ظبي، وهزمت إنجلترا ألمانيا الغربية في نهائيات كأس العالم في استاد ويمبلي بلندن، وفي بكين بدأ ماو ثورة الصين الثقافية، وفي المدن والجامعات عبر الولايات المتحدة انطلقت الاحتجاجات ضد الحرب في فيتنام.. عندما كانت كل هذه الأمور تحدث بشكل أو بآخر في نفس العام الحافل بالأحداث، وفي جزيرة نائية غير مأهولة في جنوب المحيط الهادئ، كانت هناك دراما استثنائية خاصة بها تكشفت أحداثها لاحقاً أمام العالم.
في يونيو 1965، قرر ستة فتيان تتراوح أعمارهم بين 13 و 16 عامًا، سئموا من الحياة في مدرسة داخلية صارمة في جزيرة تونغا، الفرار من مجتمعهم. سرقوا قارب صيد، وتوجهوا إلى البحر، على أمل الوصول إلى فيجي أو حتى نيوزيلندا. كانوا يرغبون بالاختفاء لأكثر من عام قبل أن تتمكن عائلاتهم من رؤيتهم مرة أخرى. باءت جهود البحث عنهم بالفشل، وتوقع الجميع أنهم لقوا حتفهم في البحر، وأقيمت جنازاتهم، وهم مازالوا على قيد الحياة.
من دون علم العالم، نجا الفتيان من عاصفة مزقت شراع قاربهم الصغير ثم أمضوا ثمانية أيام في وسط البحر إلى أن وصلوا جزيرة صخرية كانت تلوح أمامهم في الماء. كانت هذه جزيرة أتا (الفجر – باللغة المحلية) – على بُعد 100 كيلو متر جنوب غرب تونغا. ظلت هذه الجزيرة منزلهم لمدة 15 شهرًا.
بعد وصولهم الشاطئ، بدأت قصتهم المذهلة للبقاء على قيد الحياة. قصة أطلق عليها اسم “الحياة الحقيقية لأمير الذباب”، وهي في الأصل رواية شهيرة من تأليف ويليام غولدنغ، نُشرت في عام 1954، واختارتها لاحقاً مجلة “تايم” واحدة من أفضل مائة رواية باللغة الإنجليزية صدرت منذ عام 1923 إلى الوقت الحاضر.
بدأت مغامرة الفتيان بالصلاة، وشكر الله تعالى على وصولهم إلى هذه الجزيرة. نجت المجموعة من خلال التعاون والتنظيم والإيمان والمهارات العملية. أسسوا حديقة ومطبخاً وملعباً بدائياً لتنس الريشة. وقاموا بوضع قائمة بحيث يتم تقاسم جميع المهام بين المجموعة.
على الرغم من افتقادهم عائلاتهم، آمن الفتيان بقدرتهم على البقاء والنجاة. وهو ما تحقق يوم الأحد، 11 سبتمبر 1966، عندما رأى بيتر وارنر، وهو قبطان سفينة صيد أسترالية، دخانًا من الجزيرة فأبحر إلها. اندهش من استقبال شباب عراة ذوي شعر طويل يلوحون ويصرخون.
تم نسيان هذه القصة لسنوات طويلة، حتى أعاد روتجر برجمان سردها في كتابه الذي نشره مؤخرًا تحت عنوان “البشرية: تاريخ متفائل” وطبعته دار بلومزبري. بعدها نشرت “الغارديان” مقتطفات من الرواية، وهو ما أدى إلى تدافع الناشرين للحصول على حقوق قصص الناجين الثلاثة المتبقين على قيد الحياة حتى اليوم. من المؤكد أن كتاباً سيظهر قريباً لتوثيق هذه التجربة. قام المخرج الإسباني ألفارو سيرفيزو، الذي يدير شركة متخصصة في الإجازات بالجزر النائية، بعمل فيلم وثائقي مع أحد الناجين، وأكد أنه سينشر كتابًا في وقت لاحق من هذا العام.. بالتأكيد ستكون قصة جديرة بالقراءة.