يرى الروائي المصري وحيد الطويلة في نفسه نصيراً “للغلابة” أو “المحرومين”.. عطشه للحنان تسلل إلى رؤيته للحياة! فتعاطف مع المتعبين والنساء اللواتي تعثرت أحلامهن في الواقع. يعشق الكتابة بضمير المخاطب، ويرى أن الرواية العربية تطورت في أسلوبها ولغتها إلا أن الجوائز العربية الأدبية الكبيرة لا تختار النصوص بشكل جيّد وعليها أن تعي دورها الكبير في هذا الأمر. التقى “ناشر” بالطويلة وكان هذا الحوار…
* لماذا اخترت “جنازة جديدة لعماد حمدي” عنواناً لروايتك، وكيف تختار عناوينك بشكل عام؟
– لا أحتار في العناوين، رزقي وفير فيها! كنت أتمنى أن أسميها “جمال طبيعي” ليسخر العنوان من كل الرداءة التي تسرح على جبين أبطالها. عندما تقضي يوماً في شوارع القاهرة سترى الفساد في كل مكان تقريباً. من اللحظة التي تبحث فيها عن مكان لسيارتك لإتاوة ركنها، ترى السلطة بين المنادي وممثلي البوليس وكيف تسير العلاقة بينهم. كل هؤلاء يفرضون إيقاعاً فاسداً يقض مضاجع الروح، والذين أسعدونا ماتوا بالحسرة، عماد حمدي عاش في أواخر حياته معدماً، وأخشى أن أقول مهاناً حتى لا أجرح أحداً.
* في “حذاء فيلليني” اخترت أسلوباً سينمائياً وضمير المخاطب في السرد، بينما اخترت في “جنازة جديدة لعماد حمدي” أسلوباً ساخراً، ما الذي دفعك لاختيار الأسلوبين؟
– في “حذاء فيلليني” ربما كان ضمير المخاطب ضرورياً لأن الرواية كانت مواجهة بين الضحية والجلاد. لجأت إلى الأسلوب السينمائي لأجد حلاً لمعضلة مصير الجلاد داخل النص، وكانت المفاجأة أمامي في المشهد الأخير أن فيلليني الذي ظل طوال الرواية ينصح البطل بأن يدع الماضي للماضي وأن ينظر للأمام، ويقدم له في كل مشهد رشوة الأمل، يقوم في النهاية بقتل الجلاد. أحب ضمير المخاطب ولا أتعمده أبداً، يقفز وحده مهما كانت صعوبته أمام كاتب أو قارئ، هو ضمير متعب لكنه يسقط بين يدي فجأة.
* لماذا هجرت القصة القصيرة؟
– القصة هي التي هجرتني لأنني واعدت غيرها! ربما ينجح ماركيز ومحمد الفخراني وطارق إمام في مواعدة امرأتين في وقت واحد! لكنني أكتب بروحي، لذا لا أستطيع. أعيش حالتي كاملة، ولا أستطيع مواعدة كاترين دي نيف ومونيكا بيلوتشي في وقت واحد، لكن ذلك لا يمنع من تلويحة غرام بين الحين والآخر وغمزة من القصة!
* لماذا تركز رواياتك على السلطة والتعذيب والمهمشين أو على طبقات اجتماعية تعاني من ظروف نفسية أو اجتماعية قاسية؟
– أنا أحب أن أنتصر للغلابة، لا أقول المهمشين، كلنا مهمشون بشكل أو بآخر. أبي كان نصير الفقراء، تعلمت منه المعنى وربما ولدت بقلب ليّن أطمع الكثيرين فيّ، لكنني أولاً وأخيراً ابن هؤلاء الفقراء الكرام.
لم تكن أمي ولا عماتي ولا خالاتي من فريق الحنان، كانت الحياة قاسية تدفع الحنان إلى صدر المشهد، لذا كان العطش واضحاً تسلل إلى رؤيتي للحياة، تعاطفت مع المتعبين، وكل اللواتي تعثرت أحلامهم حاولت أنا تحقيقها بالكتابة بعد أن عجزت قليلاً في الواقع.
* ما رأيك في تطور الرواية العربية؟
– تتطور الرواية، تقترح أساليب جديدة، تدخل بالتجريب حقولاً جديدة ولغة أخرى، رغم نافورة الروايات التي لا تهدأ، هناك من يرى أن هذا جيّد وأننا يمكن أن نستفيد من النص الرديء، وأنا لا أرى ذلك، لكن علينا أن نعترف أن هناك عالماً آخر فيه تحظى رواية أرض زيكولا مثلاً بمائتي ألف متابع، هناك نص آخر لا نعرفه جيّداً.
لكن المسألة لها وجه آخر يتعلق بالجوائز. جائزة كبيرة ومؤثرة في العالم العربي عليها أن تعي أن عليها دوراً كبيراً في الموضوع، لا بأس أن يضعوا نصوصاً رديئة أو مجاملة، أقول هذا الكلام خارج قناعتي بالطبع – لكن عليهم أن يضعوا نصوصاً جيّدة. هذا لا يقدح في الجائزة بقدر ما يعتبر عدم قدرتها على تقدير تأثيرها الذي تخسره يوماً بعد آخر.
* مع عزوف الكثير من الشباب عن القراءة، كيف يُمكننا تحفيزهم على قراءة الروايات؟ هل تفضل هنا كتابة الروايات بأسلوب سينمائي؟
– المخرج خيري بشارة كان ينصحني أن أبحث عن وسيط آخر ينقل النص للضوء، لا أعرف كيف! ما أعرفه أننا لا يجب أن نكتب على مقاس أحد، روايتي “باب الليل” كانت على وشك التحويل إلى فيلم في الجزائر لولا قيام الثورة هناك، ولكن لا يمكن إنتاجها في مصر، والروح المصرية لم يعد بها مكان لفلسطين، وربما تعبوا!
“جنازة جديدة لعماد حمدي” من الممكن تحويلها ببساطة إلى فيلم، في مصر قد يمر الأمر، لكن أحد أبطالها ضابط، والعقلية المسيطرة الآن أن الضابط يجب أن يكون إلهاً في النص، وأنا صنعته إنساناً.