بعد أسبوع من الأحداث غير المسبوقة بسبب فيروس كورونا، تجاهلت وسائل الإعلام احتجاجات موظفي الفرع الأمريكي من مجموعة “هاشيت” على قرار نشر مذكرات وودي آلن “أبروبو أوف ناثينج”. هذه الاحتجاجات شكلت ظاهرة غير مسبوقة في قطاع النشر. فلم يحدث من قبل أن تم إلغاء نشر كتاب قبل بضعة أسابيع من صدوره بسبب احتجاجات موظفي دار النشر، وكأن الفيروس أطلق العنان لطاقة مكبوتة داخل هؤلاء الموظفين.
لكن هذا التراجع في نشر الكتاب من قبل مكتب “هاشيت” في كل من نيويورك وبوسطن أثار أيضًا بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام حول حرية التعبير، مما وضع بعض الأصوات التي قد يتوقع المرء أنها حليفة لبعضها البعض في مواجهة مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام.
جو جلانفيل، المدير السابق لمنظمة القلم الدولية التي تقوم بحملات للدفاع عن الكتّاب والقراء في المملكة المتحدة وحول العالم الذين يتعرض حقهم في حرية التعبير للخطر، قال: “لم يكن موظفو “هاشيت” يتصرفون كناشرين وإنما كمراقبين. لقد كنت أشاهد أفلام وودي آلن منذ أن كنت طفلاً، وأود أن أقرأ كتابه حتى إذا ثبتت إدانته، لأنني مهتم بالرجل وعمله وحياته. لا أتحقق من النقاء الأخلاقي أو السجل الإجرامي للكاتب قبل قراءة كتابته. سأضطر إلى تجريد أرفف الكتب الخاصة بي من العديد من الكتّاب الذين أحبهم إذا كنت سأبدأ في تطبيق مبادئ موظفي “هاشيت” وغيرها من دور النشر”.
كما أعرب المؤلف ستيفن كينغ، وهو ليس من محبي وودي آلن، عن قلقه، حيث غرّد على حسابه في “توتير”: “قرار هاشيت بعدم نشر كتاب وودي آلن يجعلني غير مرتاح للغاية. أنا لا أهتم بآلن تحديداً، ولكن ما يقلقني هو أسلوب تكميم الأفواه”.
وكان من المقرر نشر كتاب المخرج الشهير يوم 7 أبريل 2020 بواسطة “هاشيت”، إلا أن الدار تراجعت عن ذلك بعد أيام من احتجاجات الموظفين على الكتاب تضامناً مع ديلان فارو، ابنة وودي آلن بالتبني التي اتهمت والدها بالاعتداء عليها جنسياً عندما كانت في السابعة من عمرها. وقد تم التحقيق في الادعاءات مرتين ولم يتم اتهام آلن قط.
وخلص جلانفيل إلى القول: “في الواقع، بصفتنا ناشرين، فإن سلوك الموظفين الذين احتجوا أمر مستغرب. لا أرغب في قراءة الكتب التي تناسبني أو التي كتبها أشخاص أتفق مع وجهات نظرهم أو أعجب بهم دائمًا. أخشى دائمًا عندما يمارس “الغوغاء”، السلطة دون أي مساءلة أو عملية أو تعويض. هذا يخيفني أكثر بكثير من احتمال وصول سيرة وودي آلن إلى المكتبات”.
بسبب هذه القضية، فقدت “هاشيت” حتى الآن اثنين من المؤلفين: وودي آلن، ورونان فارو (شقيق ديلان)، الذي نُشر كتابه “كاتش آند كيل” بواسطة إحدى الشركات التابعة لمجموعة “هاشيت”، وتضمن ادعاءات تتعلق بآلن. لم تخبر “هاشيت” رونان فارو بأنها تخطط لنشر كتاب آلن. وقال فارو في بيان صحفي: “شعرت بخيبة أمل عندما علمت من خلال التقارير الصحفية أن “هاشيت”، ناشر أعمالي، حصل على مذكرات وودي آلن بعد أن رفض ناشرون آخرون فعل ذلك وأخفوا القرار عني وعن موظفيهم أثناء عملنا على كتاب “كاتش آند كيل” – كيف يتجنب الرجال الأقوياء، بمن فيهم وودي آلن، المساءلة عن الاعتداء الجنسي”.
ويبدو أن “هاشيت” ستعاني، ولو معنوياً، من عدم إخبار رونان فارو وموظفيها بخطة كتاب وودي آلن. وربما ساعدت التوضيحات التي قدمتها الشركة في تجنب بعض الدعاية السيئة. في هذه الأثناء، تمضي شركة “هاشيت”الفرنسية في خطتها لنشر الكتاب بطبعته الفرنسية، وهو ما يؤكد إيمان الدولة الفرنسية التاريخي بالحرية، التي تعد جزءاً من أسس الديمقراطية فيها.
المصدر: جريدة “الجارديان”