يتجاهل الأدب العربي منذ فترة طويلة الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، على الرغم من وجود أكثر من مليار شخص منهم في جميع أنحاء العالم، أي ما يعادل 15 في المائة من السكان. هذه الحقيقة دفعت شهد الشمري إلى أخذ زمام المبادرة لجعل الأدب العربي أكثر شمولية. ولمن لا يعرف الشمري، فهي كاتبة وأستاذ مساعد في الأدب الإنجليزي بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا في الكويت، ومصابة بمرض التصلب المتعدد، وهو مرض يصيب الجهاز العصبي المركزي ويؤثر في القدرة على المشي والتحدث.
بحثت الشمري كثيرًا عن نموذج للمرأة العربية في الأدب التي تندرج ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكنها لم تعثر على هذه الشخصية، لذلك شرعت في تأليف كتاب يسرد قصتها ويسد هذه الفجوة في الأدب، وأكدت أنها تريد رؤية المزيد من القصص عن أولئك الذين يكافحون من أجل الاندماج في مجتمعات موجهة بالأساس إلى الأصحاء جسديًا.
في كتابها “خواطر عن الجسد” (Notes on the Flesh)، وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة التي تكشف عن تعقيدات الهوية والحب والإعاقة في الشرق الأوسط من خلال بطلتها التي تكتشف إصابتها بمرض التصلب العصبي المتعدد، تركز الكاتبة على رحلتها لاكتشاف هذه الحالة الجديدة ونضالها من أجل التعايش مع مرضها الجديد. يسلط الكتاب الضوء كذلك على قضايا مثل حب المراهقين، والحميمية، والتضحيات العائلية والتي تشكل معًا صدعًا غير قابل للرأب بين التراث والحداثة. ينقسم الكتاب إلى جزأين، الأول يتناول السيرة الذاتية للمؤلفة، فيما يضم الجزء الثاني مجموعة من القصص لشخصيات مختلفة، نتعرف من خلالها على همومهم ومعاناتهم مع المرض والذكريات التي يحملونها.
بدأت الشمري حياتها المهنية في دراسة أشكال تناول الأمراض العقلية في الأدب، في وقت كانت تكافح فيه من حالتها الجسدية (التصلب المتعدد)، وعن ذلك قالت الشمري: “شعرت بالإحباط لعدم وجود روايات تتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة تخلو من الترويع والمأساوية أو بصورة كارثية. لم يكن هناك شيء عن المرأة العربية أيضًا. صحيح أنني وجدت بعض المذكرات هنا وهناك، لكن التركيز فيها كان منصبًا أكثر على السرطان وعلى جيل مختلف تمامًا”.
وأضافت أن هناك سببًا شخصيًا آخر: “أردت أن تكون كل تجربة كتابة أشرع فيها محاولة لمداواة آلامي والبوح بها من خلال سرد قصصي. لقد سئمت من إخفاء قصصي وقصص النساء والرجال الآخرين أيضًا بداخلي”.
كان كتابها “خواطر عن الجسد” الأول من نوعه، وقد حظي بقبول عالمي، خاصة بين النساء والأفراد الذين يعانون من إعاقات ظاهرة وغير ظاهرة، وهو ما دفع إدارة مهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي إلى دعوة الشمري في عام 2018 للمشاركة في جلسة حول أدب المرأة العربية والتحدث عن كتابها الذي تناولت فيه قضيتيّ النوع الاجتماعي والإعاقة. بعد نهاية الجلسة، وجدت الشمري نفسها محاطة بلفيف من الجماهير الذين أعربوا عن رغبتهم في تنظيم المزيد من الجلسات حول الإعاقة في المهرجان وفي جامعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وترى الشمري أن المهرجانات والمؤسسات يجب أن تلعب دوراً في توفير منبر لذوي الاحتياجات الخاصة وإنجاح أعمالهم وتوصيل أصواتهم إلى المجتمع، وعن ذلك قالت: “هناك حاجة للتحدث أكثر عن الإعاقة بنفس القدر والطريقة التي نتحدث بها عن قضايا المرأة والأقليات والحركة النسائية”، ولذلك شددت الشمري على وجوب زيادة الاهتمام بالقصص التي تصور حياة ذوي الاحتياجات الخاصة ووضعها في صميم الأدب الروائي، بدلًا من تهميشها.
يضم الكتاب كذلك بعض المقتطفات لمؤلفين عرب من أمثال رضوى عاشور، التي نقلت الشمري أجزاءً من روايتيّها “أثقل من رضوى” و”الصرخة”، وكلاهما باللغة العربية ويتطرقان إلى صراعها مع السرطان – وهو الموضوع الذي يحظى بانتشار أوسع في الأدب العربي. تسعى الشمري في كتابها “خواطر عن الجسد” إلى التمرد على الأنماط التقليدية القديمة للأدب العربي وطرق موضوعات جديدة بهدف جعله أكثر شمولية واحتواءً.
ريا الجادر