لمكتبة تشستر بيتي الإيرلندية، مكان خاص في قلوب عشاق المخطوطات، وما أن تلج بابها الزجاجي، حتى تشعر أنك تعانق التاريخ، لكثرة ما تحتضنه هذه المكتبة التي أسسها جامع المخطوطات الأمريكي الراحل ألفرد تشستر بيتي (1875-1968)، ودشنها في 1950 بالعاصمة دبلن، حيث وضع بين جنباتها العشرات من المخطوطات، التي قضى في جمعها ردحاً من العمر، لتتحول المكتبة إلى وجهة لعشاق الكتب والمخطوطات القديمة، والباحثين والدارسين للتاريخ والحضارات الإنسانية، فالمكتبة المؤلفة من طابقين تعتبر خزانة حاضنة لدرر المخطوطات الإسلامية التي تمتد زمنياً من القرن الثامن وحتى أوائل القرن العشرين.
زيارة واحدة إلى مكتبة تشستر بيتي، التي تقع في قلب حديقة قلعة دبلن التاريخية، وعلى مقربة من كاتدرائية “كريست تشرتش كاثيدرال”، كفيلة بأن توقعك في سحرها، فهي تعد أحد المتاحف الإيرلندية والأوروبية المتميزة، لما تضمه من مقتنيات نادرة، بعضها ينتمي إلى الحضارة الإسلامية، وأخرى توثق لحضارات إنسانية ثانية، في الوقت نفسه، يمكن لزائرها أن يكتشف بالتفصيل تاريخ وتطور الكتاب والخط وزخرفة المخطوطات وتجليد الكتب أيضاً، والتي تكشف عن مدى شغف الراحل ألفرد تشستر بيتي، بجمع المخطوطات والمقتنيات النادرة.
مصدر معظم المخطوطات الإسلامية وفق ما تشير إليه “بطاقات التعريف”، جاء من المنطقة العربية، وإيران، وتركيا، والهند، فيما يبدو أن إدارة المكتبة قد حرصت على تقسيم المخطوطات الإسلامية إلى عدة مجموعات، على رأسها تأتي “المجموعة القرآنية” والتي تضم 265 قرآناً وأجزاء من القرآن الكريم، ولعل أهم مخطوطة في المجموعة هي النسخة القرآنية التي خطها في بغداد ابن البواب، الذي يعد أعظم خطاطي الإسلام في العصور الوسطى، فيما تعد هذه المجموعة، واحدة من أهم المجموعات الخاصة بالقرآن الكريم خارج منطقة الشرق الأوسط. وعلى الطرف الثاني، توجد المخطوطات العربية، والتي 2650 مخطوطاً، وهي تتنوع ما بين الفقه والتاريخ والجغرافيا والطب والفلك واللغويات إلى جانب ترجمات عربية قديمة لأعمال يونانية عريقة.
أعمال الشعراء
خلال جولتك في أحضان المكتبة، لا بد من المرور بالمخطوطات الفارسية، والتي تضم نحو 330 مخطوطاً، وتشمل على نسخ من أعمال الشعراء وعلى رأسهم الفردوسي والنظامي وسعدي وحافظ وجامي، كما تشمل أيضاً صفحات مصورة من كتاب الملوك الذي يعود إلى عام 1335، بالإضافة إلى نسخة مجزأة من هذا الكتاب تعود إلى القرن السادس عشر للحاكم الصفوي شاه عباس الأكبر، وتضم أيضاً نسخة جولستان للسعدي والتي تعود إلى عام 1420 وهي واحدة من أفضل المخطوطات المزخرفة التي تضمنها المكتبة.
بينما تضم المجموعة التركية 160 مخطوطاً، وهي تعد أصغر مجموعة إسلامية موجودة في المكتبة، ولكنها على درجة كبيرة من الأهمية، فقد بلغ الفن العثماني ذروته في القرن السادس عشر، في حين تعود المجموعة الهندية إلى العصر المغولي، وتضم نحو 1000 لوحة فردية، انتجت في عهد الحكم المغولي للهند، وما يميز هذه المجموعة أنها تضم بعضاً من أروع ما أنتج بتوجيه من الإمبراطور أكبر جاهانجير وشاه جان.
ولا تقتصر مقتنيات المكتبة على المخطوطات الإسلامية، وإنما تضم أيضاً مخطوطات قديمة جداً، بعضها يعود إلى كتب الإنجيل والتوراة، كما تشمل أيضاً مقتنيات في الأزياء القديمة والأقلام التي كانت قديماً تستخدم في الكتابة والخط، وأدوات التلوين والزخرفة. وتقدم المكتبة أيضاً عرضاً مصوراً لتعاليم الحج، حتى تمنح الزائر الفرصة للحصول على ما يتطلع إليه من معلومات.
يذكر أن المكتبة أعدت فهارس باللغة الإنجليزية خاصة لكافة المخطوطات التي تضمها، كما يوجد فيها أيضاً فهارس باللغة العربية، لأسماء المخطوطات، وذلك حسب الترتيب الهجائي، وهي تضم أيضاً فهرساً آخر للمؤلفين، وتقدم تسهيلات خاصة للباحثين والمحققين الذين يودون الاطلاع على المخطوطات وتحقيقها.