صدر حديثاً عن منشورات نابو في بغداد العمل الروائي الجديد للكاتب أحمد سعداوي بعنوان “القبو”، ليشكّل إضافة جديدة وملفتة في مسيرة روائية اتسمت بالجرأة والتجريب “فرانكشتاين في بغداد”، و”باب الطباشير”، و”مذكرات دي”.
في هذا النص، يفتح سعداوي باباً على عوالم يتجاور فيها الواقعي بالغرائبي، حيث تتحوّل الأسرار والاعترافات إلى بوصلة تقود مصائر شخصيات مثقلة بالماضي ومطوّقة بظلاله. فعبر حبكة تتناوب عليها الأصوات وتتقاطع فيها الأزمنة، يتقصّى الكاتب الذاكرة العراقية المعاصرة، ويعيد صياغة العلاقة المعقدة بين الفرد والمجتمع والسلطة ضمن فضاء سردي مشدود الإيقاع وكثيف الأجواء.
وأكد سعداوي أنه شيّد الجانب الخيالي من الرواية، خصوصاً “عالم البين”، بالاستناد إلى النص القرآني وتفاسيره لرسم صورة الجن وعوالمهم، مبتعداً عن الموروث الشعبي وأجواء “ألف ليلة وليلة”. وتمتد الرواية من الجنوب المغمور بالماء إلى بغداد التي ابتلعتها كتل الكونكريت بعد غياب الممرات المائية والقصب. هناك، ينبثق صوت أحفاد “إفطيم” من قبو مظلم صنعه الخوف من الدكتاتورية، ليصبح قلب الحكاية ومستودع الموت والنجاة في آن واحد.
لكن رواية “القبو” التي جاءت في خمسة عشر فصلاً، وعلى امتداد 336 صفحة من القطع المتوسط، لا تقف عند حدود حكاية عائلة أو مصير “منيجل” الهارب من عالم الجن، بل تتحوّل إلى مونولوج فريد في أسلوبه وكشفه، صدى لتاريخ يعيد نفسه ووجع يتوارثه جيل عن آخر. إنها مرآة لبلد بكامله لم يخرج من قبوه بعد، وظلّ عالقاً في دائرة انتظار طويلة للخلاص.



