تواصل السويد تعزيز مكانتها المتنامية في قيادة صناعة كتاب الطفل وتطوير الأدب الخاص بهذه الفئة العمرية عبر العديد من المبادرات والمشاريع، إلى جانب النشاط الكبير من دور النشر المحلية، التي باتت تنشر أعمالها بلغات أخرى غير السويدية بالنظر إلى وجود جاليات كبيرة تتحدث بلغات أخرى مثل العربية، والفنلندية، والرومانية. ومنذ عقود، تبنّت الدولة الاسكندنافية سياسة ثقافية تعتبر الكتاب أداة أساسية للتنشئة، وبنت نظاماً متكاملاً يدعم الكتاب من لحظة الفكرة إلى لحظة الوصول إلى القارئ. والنتيجة: أطفال يقرؤون بانتظام، وناشرون يستثمرون في الأدب المصوّر والقصص التعليمية، وكُتّاب يشكّلون وجدان الأجيال الجديدة بأسلوب بسيط لكنه عميق.
وتحظى كتب الأطفال بدعم سخي من الحكومة السويدية، عبر برامج تمويل للنشر والترجمة، وشراء آلاف النسخ لتوزيعها في المدارس والمكتبات العامة. كما تنشط مؤسسات مثل المجلس السويدي للثقافة في تقييم الإصدارات الجديدة وإدراجها ضمن القوائم المعتمدة للقراءة، ما يوفّر للناشرين حوافز قوية على المستوى المالي والتوزيعي. هذا النظام لا يضمن جودة النص فحسب، بل يُسهم أيضاً في إيجاد مناخ تنافسي يدفع الكُتّاب والمصممين لتقديم الأفضل.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال رموز مثل أستريد ليندغرين، مؤلفة “بيبي ذات الجوارب الطويلة”، التي أسست تقليداً أدبياً يحتفي بخيال الطفل وتمرده. ومن بعدها، جاء جيل كامل من الكُتّاب الذين لا يترددون في تناول موضوعات شائكة مثل الطلاق، والموت، والهوية الجندرية، بلغة تناسب الأطفال دون أن تخفي عنهم تعقيدات العالم. وقد ساعد هذا التوجه في جعل الأدب السويدي للأطفال واحداً من أكثر الأنواع تصديراً وترجمة في أوروبا والعالم.
ورغم التقدّم الرقمي الذي شهدته السويد، فإن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بجاذبيته، خاصة في مجال كتب الأطفال. إذ يولي الآباء والمربّون أهمية كبيرة للتفاعل اللمسي والبصري الذي توفّره الكتب المصوّرة، وتُفضَّل على الشاشات في السنوات الأولى من الطفولة. ومع ذلك، تتكامل هذه التجربة مع منصات رقمية متخصصة تقدّم قصصاً صوتية وكتباً تفاعلية مصممة بعناية، ما يجعل التجربة القرائية متعددة الوسائط دون أن تلغي جوهر الورق.
ويظل النموذج السويدي في النشر ليس مجرد نجاح اقتصادي أو إبداعي، بل هو انعكاس لفلسفة ترى في القراءة جزءاً من الصحة العامة والعدالة الاجتماعية. ففي السويد، يُعدّ الكتاب حقاً من حقوق الطفل، والقراءة فعلاً يربّي العقل والضمير، ويهيّئ المواطن للمشاركة الواعية في المجتمع. هكذا، تنمو صناعة النشر على قاعدة من الثقة والثقافة والتخطيط طويل الأمد.



