ناشر
رغم أن سوق الكتاب في سويسرا تعد سوقاً صغيرة مقارنة بالدول الأوروبية القريبة منها، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بسبب قلة أعداد السكان الذين لا يزيد عددهم عن 8.5 مليون نسمة، فإن الإقبال على القصص المصورة فيها، أو ما يعرف بـ”الكوميكس”، بدأ يشهد نمواً متزايداً في الأعوام الأخيرة، خصوصاً في مدينة جنيف القريبة من فرنسا.
ويمكن القول أن “الكوميكس” هي اختراع سويسري بامتياز، ذلك أن القصص المصورة ظهرت لأول مرّة بالعالم في سويسرا، على يد المعلم والسياسي الشهير رودولف توبفر، في أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر، وتحديداً عندما نشر “حكايات السيد جابو” عام 1830، التي حققت نجاحاً فاق التوقعات.
وبفضل موقعها الاستراتيجي في وسط القارة الأوروبية، وصلت القصص المصورة السويسرية سريعاً إلى ألمانيا وفرنسا تحديداً، لتنطلق بعدها صناعة مزدهرة وجدت لها جمهوراً كبيراً في الولايات المتحدة، وأصبحت تحظى باهتمام عدد من أهم دور النشر والصحف والمجلات المطبوعة التي بادرت إلى نشرها في حلقات متسلسلة.
وعاشت القصص المصورة عصرها الذهبي في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، قبل أن تشهد شيئاً من التراجع، ما لبث أن ازداد قوة في نهاية التسعينيات لتتوقف العديد من دور النشر السويسرية عن الاهتمام بهذا النوع من الكتب، وأصبحت المنشورات تقتصر أكثر على القصص في المجلات وبعض الصحف.
لكن الأعوام الخمسة الماضية شهدت تحولاً، مع ظهور موجة جديدة من الفنانين والرسامين السويسريين الشباب، الذين عادوا إلى إحياء تراث بلدهم في مجال القصص المصورة، وبدأوا بتقديم أعمال مميزة تناسب روح العصر، وهو ما دفع دور نشر عريقة إلى إصدار أعمالهم التي حققت أرقام مبيعات ضخمة في المكتبات والمتاجر.
وتعد مدينة جنيف الناطقة بالفرنسية، المحرك الرئيسي لهذه الولادة المتجددة لقصص “الكوميكس”، نظراً لتأثرها بسوق الكتب المصورة الضخمة في فرنسا المجاورة، ونجاح دور النشر العاملة فيها بالوصول إلى الدول الناطقة بالفرنسية مثل بلجيكا، وكندا، وبعض الدول الأفريقية، وهو ما يبشر بمستقبل مشرق لهذه الصناعة.