جعفر العقيلي
رغم أن كثيراً من القصص التي يشاهدها الطفل على شاشة التلفاز كانت قد صدرت في كتب، أو تناقلتها الأجيال ضمن الذاكرة الشفاهية الجماعية العابرة للزمن، إلّا أن “ترجمتها” من الورق إلى الصورة المتحركة المعروضة أمام العين أسهم في توسيع دائرة انتشارها، وجعل تأثيرها أضعاف ذلك الذي يُفتَرَض أن يُحدثه الكتاب، لعوامل موضوعية تتعلق بالانزياحات في طبيعة التلقّي وتحولات العصر الذاهب إلى مزيدٍ من التكنولوجيا والرقميّة.
هذا المحور تطرقت إليه ندوة نُظمت ضمن فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل (2018) كان من بين المتحدثين فيها السوريةُ أمل حويجة، التي تربّت أجيالٌ عدّة على صوتها من دون أن يتعرفوا على اسمها. إذ اشتهرت هذه الممثلة والمدبلجة لأفلام الكرتون المولودة عام 1970، بصوتها الذي لا يشبه سواه وهي تؤدي شخصيات رسخت في أذهان الأطفال على مدار عقود.
ومن التجارب التي سلّطت حويجة الضوء عليها خلال الندوة، أداؤها الصوتي لشخصية “ماوكلي” فتى الأدغال الذي نشأ في الغابة بين الذئاب والذي يقدم الحكم والمواعظ للأطفال من خلال القصص والأحداث اليومية؛ و”الكابتن ماجد” الذي برعت في الأداء الصوتي لشخصيته بعد أن وجدت أن هذه الشخصية تحمل أبعاداً إنسانيةً مفيدة للأطفال، وتحثّهم على التحدي والمنافسة والمثابرة والتحلي بالروح الرياضية.
واستعرضت حويجة بعضَ رصيدها في الأداء الصوتي لشخصيات متنوعة، مثل “كاكيرو” في مسلسل “الوميض الأزرق”، و”رامي” في “الصياد الصغير”، و”فلّة” في “فلّة والأقزام السبعة”، و”فرح” في “السباق الكبير”، و”غون” في “القنّاص”، و”مازن” في “عبقور”.
وفي سياق حديثها عن ندرة الإنتاج العربي في مجال الرسوم المتحركة والكرتون، أكدت حويجة أن سرّ توجّه شركات الإنتاج إلى الأعمال الأجنبية، هو رغبتها بتقليل الكلفة، فبدلاً من أن تكلّف كتّاب نصوص وسيناريو، ورسّامين، ومصمّمين عرباً، وتقوم هي بالإنتاج، تفضّل أن تشتري أعمالاً أُنتجت بلغاتٍ أخرى وتختار عدداً من الممثلين لأداء أصوات الشخصيات بعد ترجمة الحوارات، وهو ما جعل المنتجين يتعاملون مع المدبلجين بوصفهم “أيدٍ عاملة قليلة الكلفة”.
ورأت أن الأعمال الكبيرة إذا أريد لها أن تحقق التأثير الأوسع، لا بد أن تتبنّاها مؤسسات الدولة، لأن شركات الإنتاج في القطاع الخاص تنظر إلى المسألة من زاوية الربح المادي المنتظَر قبل أيّ شيء آخر، ولا تبدو معنيةً بالعائد المعنوي غير المرئيّ والمتمثل في تعزيز القيم النبيلة كحب الوطن والانتماء للمجتمع وتقبّل الآخر، ولا تضع مسألة “احارام الطفل والطفولة” في حساباتها.
واستذكرت حويجة التي حصلت على إجازة في الفنون المسرحية من المعهد العالي للفنون المسرحية في جامعة دمشق، بدايات مسيرتها الفنية في التمثيل المسرحي التي انطلقت عام 1988، وأدت خلالها أدوار البطولة لأكثر من 25 عرضاً مسرحياً من أشهرها “ماريانا بينيدا”، و”سكان الكهف”، و”روميو وجانيت”، و”الخادمات”. متعاونةً في ذلك مع عددٍ من المخرجين البارزين مثل نادر القاسم ومنصور السلطي وفواز الساجر.
وأوضحت أنها لم تكتفِ بأعمال الدوبلاج، إذ قدمت عروضاً مسرحيةً للأطفال مثل “سندريلا” و”سنو وايت”. كما خاضت تجربة الكتابة للأطفال، وأصدرت في ذلك مجموعة قصصية بعنوان “خطفني الديك”.
وقالت الفنانة التي التحقت للعمل في مجلة “ماجد” عام 2009، ثم شكّلت في دولة الإمارات فرقةً مسرحية مع عدد من صديقاتها، إن من حقّ كل مجتمع أن يقدم صورة وافية عن فنّه، كما هي الحال مع مأكولاته الشعبية وعاداته وتقاليده التي تعبّر عن هويته، لكن في مجال أعمال الكرتون يتم إغفال هذا الأمر، فالمنتج العربي يفكّر بالتكلفة الأقلّ، لهذا سادت ظاهرة شراء أعمال من اليابان أو أوروبا أو “ديزني”، بدلاً من إنتاج أعمال عربية تتطلب كلفة أعلى، حتى لو كان المنتج متأكداً من أنها ستربح وستدرّ أموالاً طائلة.
وكشفت حويجة أن هذه النظرة أدت إلى عرض أعمال مدبلجة لا يصلح تقديمها في غير السياقات والبيئات التي أُنتجت فيها، لأنها مغرقة في المحليّة أو ترتبط الأحداث فيها بمعتقدات تخص شعباً بعينه. فما يناسب طفلاً في إحدى قرى اليابان لا يُشترَط أن يكون ملائماً لطفلٍ في مدينة عربية. وكالعادة، لا يفكر المنتج بهذا الجانب “ما دام السوق يطلب” ولا بد من تلبية احتياجاته مهما كان نوع المنتَج أو مضامينه.