في حوارها لـ”ناشر” حول كتابها “طُلب مني المجيئ وحدي”
محمد أولحبيب
“طلب مني المجيئ وحدي”، بتلك الكلمات المشوقة، تضع الكاتبة الصحفية المغربية – الألمانية، عتبة نص كتابها الذي لم يكن مجرد تحقيق استقصائي عن داعش وطالبان والقاعدة، وما وراء خطوط من يسمون بالجهاديين، بل كان من جهة أخرى رحلة امرأة عربية ولدت في ألمانيا، ورأت بأم عينها كيف يتسرب آلاف الشباب من ذوي الأصول العربية، من بوتقات الفقر والتهميش وضياع الهوية الذي يعانونه في أوروبا إلى المنظمات التي ترفع شعار الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية.
تختزل سعاد مخنت التي تعمل حالياً مراسلة لقسم الأمن القومي في جريدة الواشنطن بوست الأمريكية، والمولودة سنة 1978 في ألمانيا من أب مغربي وأم تركية، كتابها تقريبا كله في جملة واحدة تبدو في الطبعة العربية له، مظللة بالأسود ومكثفة، كي يراها القارئ بسرعة في الصفحة العاشرة: إننا نخسرهم جميعا، الواحد تلو الآخر، كان يمكن لذاك الرجل أن يكون شخصا مختلفا، كان يمكن له أن يعيش حياة أخرى.
“ناشر” حاورت سعاد مخنت حول كتابها الصادر في ترجمته العربية عن “روايات” إحدى فروع مجموعة “كلمات” الإماراتية للنشر، فتحدثت كيف استطاعت كامرأة عربية مسلمة “غربية” أن تلج في عمق أوكار القاعدة وطالبان، وداعش، وما الذي خرجت به من خلال رحلتها الاستقصائية التي قاربت حدود أعلى درجات الخطر.
قلتِ في حديث سابق لك، وفي إطار التعليق على دوافعك لكتابة “طلب مني المجيئ وحدي”، أن ثمة سيدة من نيويورك سألتك بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، لماذا تكرهنا القاعدة وأمثالها، بعد رحلتك الاستقصائية هذه كلها، هل لديك جواب محدد لتلك السيدة؟
– في الواقع وبعد اطلاعي وحواراتي مع العديد من عناصر القاعدة وطالبان وداعش، أستطيع القول إنهم لا يقدمون سببا واحدا لكره الغرب، بل ثمة أسباب عديدة لكل منهم، غير أنهم يجمعون على إحساس معين أن ثمة حربا ضد الإسلام، وهم بالتالي ينصبون أنفسهم كمدافعين عن الإسلام في وجه الغرب الذي يشن عليه تلك الحرب، وحين سألتهم عن مصدر ذلك الإحساس وتبريره، قالوا لي إن في 2003 حدثت حرب ضد العراق بحجة أنه توجد فيه أسلحة دمار شامل، ولم تكن هناك تلك الأسلحة، وأن الغرب الذي ينادي بالعدالة وحرية التعبير لم يحاكم أيا من أولئك المسؤولين عن تلك الحرب وما تلاها من تدمير، هكذا كانوا يحكون لي، ويقولون أنتم في الغرب لديكم نظرة مزدوجة تجاه حرية التعبير والعدالة، طبعا حين أريد أن أجيب تلك السيدة النيويوركية من خلال ما سمعته، سأقول لها: لا بد أن نتحدث نحن في الغرب أولا عن هذه الاختلالات في الحرب ضد الإرهاب، وعن ضرورة احترام الحريات وحقوق الإنسان في حربنا، وإن لم نفعل فسيستغل من يجندون الشباب المسلم كي يصبحوا متطرفين كل ذلك، ويستثمروه في جلب مزيد ومزيد من الشباب ليحولوهم أعداء لنا وكارهين لنا.
في الاتجاه الآخر، بوصفك عربية مسلمة ولدت في أوروبا وعايشت كصحفية مهتمة بالموضوع تشكل قدر من الإرهابيين الذين سافروا فيما بعد إلى العراق أو سوريا أو أفغانستان،أو..، كيف يتحول هؤلاء الشباب الأوروبيين إلى متطرفين؟.
– أنا التقيت أناسا من هؤلاء الشباب الذين التحقوا بتلك المنظمات والذين ولدوا وتربوا في أوروبا، وكانوا يحكون لي عن العنصرية التي واجهتهم منذ تفتح وعيهم في مجتمعاتهم التي يحملون جنسيتها، ولم يحسوا أبدا بأنهم بريطانيون أو ألمان، أو بلجيكيون أو فرنسيون أو غير ذلك..، هم أبناء الجيل الثاني من المهاجرين والذين لم يروا العالم العربي ولم يعرفوه، كانوا فقط يريدون إجابة للسؤال: من أنا؟
هناك أمر آخر ساعد في توجيه أولئك الشباب نحو وجهة التطرف، وهو أنه في أوروبا كانت ثمة سهولة في فتح المدارس والمساجد حيث أنه يمكن لأي أحد يجيد اللغة العربية أن يفتح منظمة خيرية، تحوي مدرسة ومسجد، ويكون الأشخاص الذين يتحدثون في ذلك المسجد أو المدرسة من الذين لا يعرفون الدين الإسلامي الصحيح، ومع ذلك يقدمون تفسيراتهم ومعلوماتهم الخاطئة لأولئك الشباب الباحثين عن هوية، ويقولون لهم: من اليوم انسَ التعريف الشخصي السابق لك، أنت لست بريطانياً أو ألمانياً أو بلجيكياً أو..، لا أنت هويتك مسلم فقط، لذلك هم يتجهون إلى ما يسمى الدولة الإسلامية التي صنعتها داعش ويخدمونها في عملياتهم الإرهابية لأنهم يعتقدون أنهم ينتمون لها أكثر من انتمائهم لأي شيء آخر، وهم بالمناسبة يتبنون دور الضحية ويرون أنفسهم ضحايا للعنصرية الغربية الثقافية، وهم يرون كذلك أنهم ليسوا إرهابيين بل يدافعون عن الإسلام، وهنا تكمن المسؤولية علينا لتلافي كل ذلك، وتجنيب المزيد من الشباب أن يلتحقوا بداعش أو القاعدة أو غيرها.
ما الذي عليكم – أقصد الغرب- كحكومات وكمجتمعات أن تفعلوه لتوقفوا هذا النزيف في الشباب الأوروبي المسلم في اتجاه التطرف؟
– أنا أعتقد أن المسؤولية ليست علينا فقط بل على العالم ككل، العنصرية بشكل عام تغذي التطرف، حين يسمع أو يحس الشاب الأوروبي المسلم أنه لا يمكن أن يكون جزءا من مجتمعه دون مشاكل ولا إقصاء، فذلك يذهب به ببساطة نحو اعتزال مجتمعه ذاك، كثيرا من الشباب الذين التقيتهم في داعش أو غيرها يقولون ذلك وينتقدون تغاضي الجميع عن ذلك، ولذلك نحن لا بد أن نتحدث عن تلك الإشكاليات، ونتحدث عن النظرة المزدوجة في التعامل مع حرية التعبير وحقوق الإنسان التي تمارسها الحكومات الغربية، ونناقش ذلك في مجتمعاتنا الغربية وندينه.
اتحدث عن كيف ينظر الغرب إلى الإسلام، إنهم يرون أن التطرف يأتي من الشرق الأوسط ومن الدول الإسلامية، لكن هذا ليس صحيحا، التطرف يأتي أيضا من الغرب نفسه ومن طريقة تعامله مع آلاف المسلمين في أوروبا والنظرة العنصرية الإقصائية لهم، وتجاهل أنهم يتعرضون جراء ذلك لتحريف أفكارهم واستخدام إحساسهم بفقدان الهوية، ليكونوا ضحايا لمن يعلمهم مفهوما خاطئا للإسلام ويستخدمهم كإرهابيين.
وأقدم مثلا من يسمى أبو طلحة الألماني، كنت أتحدث معه قبل أن يذهب إلى سوريا ليكون من المقاتلين باسم الدين هناك، وكتبت عنه ونبهت وقلت هذا الشخص في طريقه إلى التطرف، لكن لم ينتبه أحد لضرورة محاولة انتشاله، رغم أنه كان موجودا تحت مراقبة المخابرات الألمانية.
في اعتقادي أن أول ما يمكن عمله لوقف هذا النزيف في أوساط هؤلاء الشباب في اتجاه التطرف، هو إنشاء مدارس في أحيائهم في الغرب تدرسهم الدين الإسلامي الصحيح وتغيير النظرة الإقصائية تجاههم، وهناك وعي متنام في أوروبا بضرورة وجود حلول عاجلة، والتوقف عن استخدام التبريرات السهلة من قبيل: هؤلاء الشباب تطرفوا لأنهم مسلمين فقط!
كيف استطعت كصحفية أن تقنعي تلك التنظيمات المتطرفة التي قابلتها أن تستضيفك وتتحدث معك؟
ليس الأمر سهلا أن تتواصل مع داعش أو غيرها من تلك التنظيمات، لذلك استعنت بأشخاص التحقوا بهذه التنظيمات، وكنت أعرفهم والتقيتهم سابقا في أوروبا، قبل أن يذهبوا إلى الشرق الأوسط بحكم عملي في هذا الملف، وساعدوني كي أتحدث مع بعض القادة الكبار هناك، كنت أريد أن أفهم من هم هؤلاء الأشخاص الداعشيين، وما هي أهدافهم؟، تلك كانت دوافعي التي أعلنتها لهم، وقلت لهم بوضوح أنا لن أكذب على الناس، سأسمع آراءكم، ولكن بالمقابل لدي أسئلتي التي عليكم أن تجيبونها، مهمتي أن أنقل كل ذلك للناس لكي تكون هناك حالة نقاش واضحة، لم تكن مهمتي اطلاقا أن أعرف ما إذا كانت الدولة الإسلامية جيدة كما يقولون هم، وأن أنقل ذلك، هم كانوا أيضا يتابعون ما أكتبه مسبقا، ويعرفون بالتالي أسلوبي.
كانت شروطي واضحة وبينتها في الكتاب وهي أنه من حقي أن أطرح ما أشاء من أسئلة، وأن يضمنوا لي أن لا أختطف، و في مقابل ذلك سأحترم شروطهم بالمجيئ وحدي والاستماع إليهم.
هل تلقيت تهديدات بعد نشر كتابك هذا؟
تلقيت تهديدات من بعض العنصريين في أوروبا بعد نشر الكتاب، وكانوا يقولون كيف تكونين عربية مسلمة وتعيشين في أوروبا وتحملين المسؤولية للغرب في وجود التطرف، كان ذلك منذ شهر تقريبا أي منذ ظهور الكتاب مباشرة.