يعد النشر بلغة برايل من الوسائل الأساسية التي تُمكّن الأشخاص المكفوفين من الوصول إلى المعرفة والمعلومات. ومع ذلك، تعاني دور النشر العربية من عزوف كبير عنه، نتيجة عدة عوامل وتحديات تواجه الناشرين وتعيقهم عن تبني هذا النوع من النشر.
لعل العقبات اللوجستية هي العائق الأكبر بين الناشر العربي وهذه الصناعة، وذلك بسبب التكاليف العالية للإنتاج التي تجعل الاستثمار في نشر الكتب بطريقة برايل أقل جاذبية مقارنة بالكتب التقليدية. كما يواجه الناشرون صعوبات في التوزيع الفعال لهذه الكتب والوصول إلى الجمهور المستهدف، فيما تؤثر محدودية السوق وقلة الطلب بشكل كبير على إقبال الناشرين عليها.
تحديات تكنولوجية وعوامل تعليمية ومجتمعية
يواجه الناشرون العرب تحديات تكنولوجية، وفي مقدمتها توفر الأدوات والمعدات المخصصة لتحويل النصوص بدقة، ما يؤثر على جودة الإنتاج ويرفع التكاليف. كما تشمل هذه التحديات تطوير تقنيات جديدة لتسهيل عمليات الإنتاج والتوزيع، فضلاً عن توفير أجهزة ومواد ذات جودة عالية تدعم القراءة بلغة برايل بشكل مريح للقراء.
وهناك عوامل تعليمية ومجتمعية تقف أيضاً عائقاً أمام الناشرين العرب ضمن هذا المجال، ويشمل ذلك قلة الوعي بأهمية توفير المحتوى المكتوب بلغة برايل، وقلة التدريب والتأهيل للكُتّاب والناشرين في مجال إنتاج وتوزيع هذه الكتب، ما يؤدي إلى قلة الطلب وبالتالي عزوف الناشرين العرب عنها. كما يؤثر تقبّل المجتمع للأفراد ذوي الإعاقة البصرية سلباً على دعم وتحفيز النشر بلغة برايل.
بالإضافة إلى أن ثقافة قراءة الكتب بالوطن العربي، لا تحظى بالأهمية الكبيرة مقارنة بالدول بالأخرى. فحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن 7% فقط من الكتب الموجودة متاحة بتنسيقات تساعد القراء ضعاف البصر، وأقل من 1% من الكتب المنشورة في جميع أنحاء العالم متاحة بطريقة برايل، ما يعكس تحدياً أكبر في الدول العربية.
وإلى جانب ذلك، يُشكّل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا البديلة تحدياً كبيراً للناشرين، فالإقبال على الكتب الصوتية والمسموعة يقلل الحاجة للكتب المطبوعة بلغة برايل. كما قد يكون هناك توجه نحو حلول أخرى تلبي احتياجات القراء المكفوفين، مثل الذكاء الاصطناعي وبرامج قراءة النصوص المتوفرة باللغة العربية، ما يتطلب من الناشرين العرب البحث عن استراتيجيات جديدة لتطوير هذه الصناعة.
الدعم الحكومي والتعاون الدولي يعززان الصناعة
يمكن للدعم الحكومي أن يسهم بشكل فعّال في ازدهار النشر العربي بلغة برايل، ويتم ذلك عبر توفير الدعم المالي وتشجيع العاملين في هذا القطاع على النشر. كما يمكن الاستثمار في هذا المجال من خلال توفير بنية تحتية عبر إنشاء مراكز طباعة متخصصة بلغة برايل. علاوة على ذلك، يمكن للدعم الحكومي أن يشمل برامج توعية وتثقيف بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في الوصول للمعرفة والثقافة.
ويعتبر التعاون الدولي كذلك عنصراً أساسياً في تطوير صناعة النشر بلغة برايل في الوطن العربي، حيث يمكن للتبادل الثقافي والتقني بين الدول العربية والدول الرائدة في هذه الصناعة أن يسهم في إثراء الخبرات وتعزيز القدرات وبالتالي تطوير الأساليب والتقنيات المستخدمة في الوطن العربي. كما يمكن للتعاون الدولي أن يسهم في تبادل الكتب والمواد المطبوعة بلغة برايل بين الدول، ما يعزز الوصول إلى المعرفة والثقافة للمكفوفين في مناطق متعددة.
وتلعب التكنولوجيا أيضاً دوراً كبيراً في تسهيل العملية، وذلك عبر تطوير برامج وأدوات تكنولوجية لتحويل النصوص إلى برايل، ما يمكن أن يقلل من الحاجة للعنصر البشري والكفاءات، ويخفض التكلفة ويزيد من سرعة الإنتاج.
إن توفير الكتب بلغة برايل هو خطوة أساسية نحو تحقيق المساواة وضمان الوصول الشامل للمعرفة لجميع أفراد المجتمع. وعلى الرغم من التحديات البالغة التي تواجه دور النشر في تلبية احتياجات أصحاب الإعاقة البصرية، إلا أن الحلول المقترحة تعد خطوات إيجابية نحو تجاوز هذه العقبات وتعزيز صناعة النشر بلغة برايل في الوطن العربي.