افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، المؤسسة والرئيسة الفخرية للمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، النسخة اليونانية من معرض “الخراريف برؤية جديدة” الذي ينظّمه المجلس الإماراتي لكتب اليافعين بالتعاون مع المجلس اليوناني لكتب اليافعين، في مكتبة سالونيك المركزية، ضمن فعاليات الشارقة ضيف شرف معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024 في اليونان.
واطلعت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي على الأعمال المعروضة، واستمعت إلى شرح من مروة العقروبي، رئيسة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، حول تفاصيل الحكايات الشعبية التي يتضمنها معرض “الخراريف برؤية جديدة”، والتقت بعض الفنانين الإماراتيين واليونانيين الذين أسهموا في إنتاج هذه النسخة المتميّزة من المعرض، وعبّرت عن إعجابها بمستوى المواهب المشاركة وبقدرة الرسامين على إعادة تخيّل حكايات الثقافة الأخرى بشكل يحافظ على روحها وشكلها الأصلي الذي تناقلته الأجيال.
ويشارك في المعرض الذي أقيمت نسخ سابقة منه في إيطاليا والمكسيك وكوريا الجنوبية، خمسة فنانين إماراتيين ومثلهم من اليونان، والذين قاموا بتخيُّل شخصيات من الخراريف الشعبية الأكثر شهرة في البلدين، وأعادوا تقديمها برؤيتهم الخاصة من منظور الأجيال الجديدة وواقع تجاربها في حوار تمتزج فيه الثقافات وتلتقي الأفكار والتعابير، بحيث عبّر الفنانون الإماراتيون عن أهم القصص الشعبية اليونانية، وبالمقابل قام نظرائهم اليونانيون بتقديم أشهر الحكايات الإماراتية.
وأقيمت النسخة الأولى من معرض “الخراريف برؤية جديدة” في إيطاليا خلال شهر مارس 2022 ضمن فعاليات معرض بولونيا لكتاب الطفل، وتلته النسخة المكسيكية في ديسمبر 2022 في مدينة جوادالاهارا ضمن فعاليات برنامج الشارقة ضيف شرف الدورة الـ36 من معرض المكسيك للكتاب، فيما أقيمت النسخة الثالثة في يونيو الماضي تزامناً مع برنامج الشارقة ضيف شرف معرض سيول الدولي للكتاب 2023، وبمشاركة فنانين من البلدان الثلاثة المستضيفة إلى جانب الفنانين الإماراتيين.
لقاء بين الفكر والفن لإلهام الأجيال
من ناحيتها، أكدت مروة العقروبي أن النسخة اليونانية من معرض الخراريف برؤية جديدة تمثل استمراراً للنجاح الذي حققته النسخ الإيطالية والمكسيكية والكورية من المعرض، والتي أسهمت في نشر الموروث الشعبي الإماراتي والحكايات التراثية بين ثقافات مختلفة، وأتاحت بالمقابل للفنانين والرسامين الإماراتيين فرصة اكتشاف تراث الشعوب الأخرى وإعادة تخيّل حكاياتهم الشعبية، بما يحقق مزيداً التواصل بين الشعوب والثقافات من خلال الأدب والفن.
وأشارت العقروبي إلى أن القصص الشعبية تعد رافداً معرفياً وثقافياً مهماً، حيث تشكّلت على أحداثها وتفاصيلها وشخصياتها أجيال متلاحقة، وكان لها دور كبير في التنشئة السليمة على القيم والعادات الاجتماعية، مضيفة أن من شأن تنظيم مثل هذه المعارض في بلدان مختلفة حول العالم أن يعزز أسلوب الحوار الذي تمتزج فيه الثقافات وتلتقي الأفكار والتعابير، لاكتشاف هذه الحكايات بأسلوب متجدد يلهم الأجيال الحالية والمقبلة.
ثقافتين مختلفتين.. تراث إنساني مشترك
وفي تفاصيل الإبداعات التي رسم فيها الفنانون اليونانيون رؤاهم حول القصص الشعبية الإماراتية، استمدت الفنانة فيلوميلا فاكالي – سيروجيانوبولو عملها من الحكاية التراثية “بو السلاسل”، التي تتناول شخصية أسطورية ترتدي زي الإنسان لكنها تحمل سلاسل تقيّد قوتها الهائلة، وتمثل شهادة على أسرار الصحراء التي لا حدود لها والقوى غير المرئية الكامنة فيها.
واختار زميلها الفنان اليوناني فاسيليس جريفاس قصة “أم كربة وليفة” وهي جنيّة تسكن في جذع نخلة، ترفض الظلم والاستقواء على الضعيف، وكانت تُروى أمام الأطفال لمنعهم من الخروج ليلاً أو ارتكاب الأخطاء أو القيام بأفعال غير مقبولة.
وفضّلت الفنانة إيمانويلا كاكافيا أن تشارك في المعرض بعمل يجسّد حكاية “بو راس” الذي يمزج بين الإنسان والوحش، ويظهر بشكله الغريب تحت ضوء القمر المكتمل، ليتعلّم من خلالها الأطفال الصبر والتحمّل والقدرة على مواجهة المجهول. وتناولت الفنانة ليلا ستروتسي في عملها الحكاية الشعبية الإماراتية “النجاجة” وهي امرأة يحولها الجن إلى بومة بعد أن فقدت ابنها وتظل تتجول في الليل وهي تطلق صرخاتها الحزينة على أمل العثور عل ابنها المفقود.
وأخيراً، وجد الفنان اليوناني المتعدد المواهب جيراسيموس جالياتساتوس في حكاية الجني “فتوح”، ما يشبع شغفه بالخوض في الهوية التراثية الإماراتية وتحديداً في هذه الحكاية الشعبية التي وصفت الجدات بطلها ذات العيون المتوهجة بأنه الوحيد الذي يحمي أشجار المانغروف في المنطقة الشرقية لإمارة الشارقة، وتحديداً في مدينة كلباء قديماً، في رسالة تحذير لكل من يحاول العبث بالطبيعة ويقترب من هذه الأشجار الجميلة لتخريبها.
بالمقابل، انجذب الفنانون الإماراتيون المشاركون بالمعرض إلى الحكايات الشعبية اليونانية التي مازال أحفاد الإغريق يتناقلونها جيلاً بعد آخر، فأعادت الفنانة موزة الحمراني تخيّل قصة “الثعلب الذي فقد ذيله”، وهي عن ثعلب وقع في فخ صياد ففقد ذيله، وحتى لا يشعر بالعار لوحده، جمع الثعالب الأخرى وحاول إقناعهم بقطع ذيولهم! لتصور القصة أولئك الذين يقدمون النصائح للآخرين من أجل مصلحتهم الشخصية فقط.
ورأت الفنانة زكية العامري في الحكاية اليونانية “المزارع وأبناؤه” فرصة لإبراز قدرات المواهب الإماراتية على إعادة تصور التراث اليوناني، وتروي قصة مزارع قدّم لأولاده حزمة كبيرة من العصي وطلب منهم كسرها، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وعندما قام بتفكيك الحزمة وتوزيع العصي عليهم واحدة تلو الأخرى، تمكن أبناؤه من كسرها بسهولة، في تأكيد على أن الوحدة تجعلنا دائماً أقوياء.
وتحت عنوان “السلحفاة والنسر” وجدت نور الخميري في حكمة اليونانيين مجالاً واسعاً للإبداع، فرسمت تلك السلحفاة التي طلبت من النسر أن يعلّمها الطيران، متجاهلة إنها لم تُخلق لتحلّق في السماء، فسقطت وماتت لأنها حاولت فعل شيء لا يناسب الشكل التي خلقها الله به. وأعادت زميلتها فاطمة العامري تخيّل القصة الشعبية “الولد الذي صرخ صرخة الذئب”، التي تتمحور حول فكرة أن الكذب المتكرر يمكن أن يكون سبباً في عدم اقتناع الناس بأن شخصاً دأب على هذه الصفة الذميمة، يمكن أن يقول الصدق أخيراً.
أما القصة الشعبية اليونانية الخامسة والأخيرة التي رسمتها أنامل إماراتية فكانت “السلحفاة والأرنب” وحملت توقيع الفنانة علياء جلبي، وهي حكاية لسباق بين أرنب كسول وسلحفاة مجتهدة، انتهى بتغلّب المثابرة والجد على مهارة السرعة.