اعتاد معرض الشارقة الدولي للكتاب أن يحتضن دور نشر جديدة في كل عام، ويكون محطة لانطلاقتها عالمياً، ومن بينها مؤسسة “ابن العربي للبحوث والنشر”، التي تسعى، كما يقول صاحبها، أيمن حمدي، إلى تقديم التراث الصوفي عامةً والتراث الأكبري خاصةً في طبعات محققة تحقيقاً علمياً، تسهم في التعريف بالتصوف السُّني الصحيح وذلك من خلال الاطلاع المباشر على المؤلفات الأصلية والتي ظلت لقرون طويلة حبيسةَ خرائن المخطوطات.
وثمّن حمدي توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، باقتناء مكتبات الشارقة للكتب الجديدة في كل عام، معتبراً أن هذه الخطوة تشجع الناشرين بشكل كبير على الاجتهاد في العمل والتنوع في طرح المحتوى، وأكد أن معرض الشارقة الدولي للكتاب هو محطة الانطلاق الأولى للتوسع والانتشار داخل الوطن العربي والعالم ككل، حيث تقدّم جمعية الناشرين الإماراتيين خدمات نقل الكتب للمعارض العالمية بأسعار رمزية جداً من خلال مبادرة “منصة”.
وأشار أيمن حمدي إلى أن المؤسسة تعمل على إحياء مشروع “تراث الشيخ الأكبر”، وأن إطلاق اسم “ابن العربي” على المؤسسة جاء تقديراً للعالم الجليل محي الدين بن عربي، أحد أعلام الثقافة العربية والتصوف الإسلامي، والذي قدّم للمكتبة العربية مئات الكتب والرسائل، بالإضافة إلى إسهامه الشعري الغزير، مضيفاً أنه كان يقوم في البداية بطباعة كتاب كل عامين ويوزعه هدية على أصدقائه والمقربين منه، وكان يعرضه في بعض المكتبات، وبعد ذلك قرر أن يكون المشروع أكثر تنظيماً وقام بالذهاب إلى فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف لطلب التعاون معه، وهو ما قاده إلى تطوير مشروعه بشكل كبير،ـ وكان “الوصايا” أول كتاب يبصر النور للمؤسسة، وهو يعتمد على توضيح الأسس الشرعية في التصوف وفق كتاب الله والسنة النبوية الشريفة.
وأكد حمدي أن مشاركته عام 2021 في معرض الشارقة الدولي للكتاب كانت الأولى على الإطلاق والتي جاءت نتيجة عمل جاد ودؤوب استمر 11 عاماً، وقد ساعدته المشاركة في التوسع على مستوى الوطن العربي، وذلك من خلال تأسيس شركة في مدينة الشارقة للنشر لتكون “ابن العربي” مؤسسة إماراتية، وأضاف أن جمهور المعرض طالبوه بنشر كتب لغير ابن العربي، وذلك لزيادة التنوع في المحتوى، وكان متردداً في البداية نظراً لسعة تراث الشيخ، لكنه وجد فعلاً أن التنوع مطلوب، واقترح أحد الأشخاص أن يصدروا كتاب “البسيط في المذهب” للإمام الغزالي، وأصابه التخوف لأنه كتاب فقهي يحتاج إلى فريق من الباحثين الشرعيين الذين يمتلكون معرفة عميقة في هذا التخصص، ومن هنا أتى دور فاطمة بنت محمد القاسمي، والتي تدير مشروع تراث الشيخ الأكبر منذ انطلاقته، وتشرف على جميع المشاريع ذات الصلة بالشيخ الأكبر وتلاميذه، وتشارك في جميع الأعمال التي تصدرها المؤسسة.
بسؤالنا لفاطمة القاسمي عن طريقة وخطوات إصدار كتاب من خلال مخطوطات يفوق عمرها الخمسة قرون، أوضحت أن فريق العمل في المؤسسة ثابت، وأن الباحثين مختصين بعدة تخصصات في مجال علوم العقيدة مثل: اللغة العربية، والأحاديث النبوية الشريفة، والقرآن الكريم، وأصول الفقه، ويعملون معاً كفريق واحد. وأشارت إلى أن تحويل المخطوطات إلى كتاب يتطلّب مدة زمنية قد تصل إلى عامين وتختلف المدة باختلاف الكتاب ومؤلفه، فمثلاً “البسيط في المذهب” استغرق العمل عليه قرابة العام ونصف العام وذلك نظراً لاحتوائه على ثلاثة عشر مجلداً، وتحتاج كل معلومة إلى التحقيق والتأكد من صحتها، مضيفة أن أكثر ما شجعهم على طباعته هو أنه لم يطبع من قبل، على الرغم من أنه من الكتب الأساسية المهمة للباحثين في الفقه، سواءً من الأساتذة أو طلاب العلم.
وأكدت فاطمة القاسمي أن أصعب مرحلة من مراحل جمع الكتاب هي مرحلة الفهرسة، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها وجود اختلاف في بعض الأحيان لعنوان المخطوط عن العنوان الذي نبحث عنه، تليها مرحلة المطابقة وتعتمد على تفريغ جميع النسخ التي تم الحصول عليها وتسمية كل نسخة بحرف أبجدي للمقارنة بين جميع النسخ، وفي حالة وجود اختلاف كلمة يتم المقارنة بين جميع النسخ واختيار الكلمة الأكثر تكراراً والمطابقة في المعنى والسياق، وبعد الانتهاء من جميع المراحل السابقة تبدأ مراحل الإنتاج والتي تنطلق من مراجعة النصوص ثم تخريج الآيات والأحاديث، يليها تشكيل النص والتنسيق والإخراج الفني، وأخيراً تصميم الغلاف. وتبدأ الطباعة بعد ثماني مراحل قد تستغرق العامين تقريباً.
ووجهت فاطمة القاسمي رسالة للأطفال وذويهم هي “اقرأ، اقرأ، اقرأ” وقالت: “نحن بحاجة إلى تشجيع أولياء الأمور لتعويد أبنائهم منذ الصغر على القراءة، حيث يجب أن يعتاد الأطفال على القراءة منذ نعومة أظافرهم مع الحرص على اختيار كل ما هو مناسب بناءً على عمر وشخصية كل طفل، نظراً لأن القراءة تساعدهم على زيادة الوعي والمحافظة على تراثنا العربي والإسلامي”.