تعد دار الساقي من أيقونات النشر في العالم العربي، رغم بداياتها من العاصمة البريطانية لندن، قبل نحو 38 عاماً، حيث اختارت لنفسها مهمة الترويج للحداثة الفكرية، ولنهضة الثقافة العربية، وتولت القيام بذلك عبر إصدار مئات العناوين المميزة، في السياسة، والفكر، والتاريخ، والثقافة، والعلوم، والأدب، إضافة إلى إصداراتها الموجهة للأطفال والشباب، والتي حاز عدد منها على جوائز عدة، في معارض الكتب والمهرجانات الثقافية العربية والدولية.
وفي هذا اللقاء مع “ناشر”، تتناول رانية المعلم، مديرة التحرير في دار الساقي، بعضاً من التحديات التي تواجهها صناعة النشر في العالم العربي اليوم، خصوصاً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها بعض الدول الشقيقة، وتستعرض أبرز الجهود التي تقوم بها الدار للمحافظة على الكتاب، وتعزيز انتشاره، والوصول إلى القراء في كل مكان.
* كيف تقيّمون وضع سوق النشر في العالم العربي اليوم؟ هل أنتم متفائلون بالمستقبل؟
وضع النشر اليوم ليس بأحسن حالاته، حتى لا نقول إنه يعاني أزمة حادّة، فسوء الأوضاع السياسية والأمنية انعكس سلباً على وضع النشر، فهناك أسواق مقفلة (سوريا، اليمن، العراق…)، وكذلك طرق مقفلة (صعوبة في الشحن والاضطرار إلى الشحن البحري بدل الشحن البري ما يؤخر وصول الكتب إلى الموزّعين)، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في معظم البلدان العربية، وانخفاض في القدرة الشرائية لدى القارئ، هذا عدا عن تفاقم مشكلة التزوير الورقي والإلكتروني، واستحالة الملاحقة القانونية والمحاسبة، وتزايد مشكلة الرقابة ومنع الكتب… كل ذلك يجعل مهمة الناشر أكثر صعوبة. ولكننا متفائلون ومحكومون بالأمل، هو ليس خياراً فالخيارات قليلة حالياً، ولكننا مجبرون على التفاؤل لكي نتمكن من المتابعة.
* أنتم من أوائل دور النشر العربية التي افتتحت فرعاً لها في لندن… ما أهمية هذه الخطوة، وما مدى إقبال القارىء البريطاني على إصداراتكم؟
بدأ مشوار الصديقين أندره كسبار ومي غصوب في لندن عندما أسّسا “مكتبة الساقي” عام 1979 وكانت أول مكتبة عربية في المملكة المتحدة. في العام 1983 انطلق النشر باللغة الإنجليزية في لندن، وفي العام 1987، بدأنا النشر في لندن باللغة العربية. ومن ثم تأسّست “دار الساقي” رسمياً في بيروت عام 1991، وكانت مهمتها الإسهام في نهضة الثقافة العربية وتشجيع الحوار بين الثقافات المختلفة.
“الساقي” في لندن تعتني باختيار عناوينها، وقد حصدت العديد من الجوائز هناك رغم المنافسة الكبيرة، وهذا ما يجعل القارئ البريطاني والغربي يتتبع إصداراتنا في لندن ويقرأها.
* الساقي تعتني كثيراً بالكتاب… من النص إلى الطباعة والإخراج، لماذا كل هذا “الدلال” لكتبكم؟
تميّزت إصدارات دار الساقي على مرّ السنين بالجودة العالية شكلاً ومضموناً، وهمُّها الأساسي هو مصلحة القارئ الذي علينا احترام عقله وذوقه. فكما نعتني باختيار الموضوع والأسلوب واللغة، نعتني أيضاً بالشكل النهائي للكتاب من حيث الإخراج والتصميم، ونوع الحرف المستخدم وحجمه، ونوع الورق، وتصميم الغلاف، وقياس الكتاب، إلخ… وكل ذلك يتغيّر ويتطوّر مع التقدّم الذي يشهده عالم النشر.
* بادرتم أخيراً إلى تأسيس مكتبة الساقي الإلكترونية، ألم تتأخروا كثيراً في ذلك؟ وما هي التوقعات حول الإقبال على كتبكم الإلكترونية؟
قررنا مواكبة التطوّر الحاصل في مجال الكتاب الإلكتروني وباشرنا بتأسيس “مكتبة الساقي الإلكترونية” (مسا) التي تبيع كتب دار الساقي بصيغة إلكترونية، كما كتب ناشرين آخرين. نحن نعمل حالياً على تجهيز التطبيق وسنعلن عن انطلاق “مسا” في حينه. نحن واعون أن سوق الكتاب الإلكتروني لا يزال ضعيفاً في العالم العربي، ولا نزال شغوفين بالكتاب الورقي، ولكننا نعي في الوقت عينه أهمية الدخول في عالم الكتاب الإلكتروني.
* أين تتركز معظم مبيعاتكم حالياً؟ وماذا بالنسبة إلى الجاليات العربية في الخارج… هل تصل إصداراتكم إليهم؟
مبيعاتنا جيّدة في كل البلدان العربية، ما عدا الأسواق المقفلة مثل سوريا، واليمن، والعراق. ونحن نشارك في كل المعارض التي تقام في الدول العربية. كما نوزّع في أستراليا، وبريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، والبرازيل، وكندا، وألمانيا، والسويد، وسويسرا، والصين، وتركيا. هذا بالإضافة إلى البيع عن طريق موقعنا الإلكتروني SHOP ONLINE الذي يسمح لأي قارئ بأن يحصل على الكتب التي يريدها أينما وجد.
* لاحظنا في الأعوام الأخيرة تراجع عدد إصداراتكم السياسية والتاريخية على حساب الأعمال الروائية.. لماذا؟
لم يتراجع عدد إصداراتنا السياسية والتاريخية، بل إن عدد الإصدارات الروائية هو الذي ازداد، فالإقبال يزداد على قراءة الرواية التي لم تواكبها زيادةٌ في الإصدارات السياسية والتاريخية. قد يكون القارئ ملّ من السياسة، وقد يكون السبب الجوهري هو الأزمات السياسية التي نعيشها في العالم العربي، والتي تنعكس أزمةً فكريةً بالمحصلة. أعتقد أن توثيق ما يمرّ به اليوم العالم العربي وتحليله قد يأتي في مرحلة لاحقة، لا تزال الصورة غير واضحة اليوم، والمستجدات سريعة.
* الساقي دار تكره الرقابة… ألم تصبح الحواجز أمامكم اليوم أقل؟
أعتقد أن العكس هو الصحيح، أي أن الرقابة هي التي تكرهنا، إذا جاز التعبير. الحواجز أصبحت أقلّ؟! بالطبع لا، والأمر منطقي في ظل الخيبات التي نعيشها.
* نلاحظ أن أسعاركم إلى حد كبير أقل من بقية دور النشر العربية الكبرى… ما الذي تقومون به لخفض سعر الكتاب؟
نحاول أن يكون سعر الكتاب مقبولاً لدى القارئ. الأمر صعب ولا تزال مثلاً أسعار كتبنا في مصر مرتفعة نسبة إلى القدرة الشرائية هناك. ولكن الأهم ألا يؤثر ذلك على النوعية.
* هناك ظروف صعبة يمر بها عدد من الدول العربية حالياً… ماذا فعلتم لمواجهة ذلك؟ وكيف تصلون إلى قرائكم المخلصين؟
تحدثت في الأعلى عن الأوضاع الصعبة والأسواق المقفلة وغيرها، نبذل جهدنا لإيصال كتبنا إلى جميع القراء ولكن الأمر ليس سهلاً وأحياناً الصعوبة متعلقة بأمننا الشخصي، حيث قد نضطر أحياناً إلى عدم المشاركة في معارض للكتب خوفاً من الأوضاع الأمنية في بعض البلدانمثل (العراق، السودان، سورية، ليبيا). نحاول التعويض عبر البيع عن طريق موقعنا الإلكتروني وعن طريق توسيع شبكة التوزيع الخاصة بنا في كل البلدان العربية وفي الخارج، وأيضاً عبر الكتاب الإلكتروني إذ إن عدداً كبيراً من كتبنا أصبح متوافراً بصيغته الإلكترونية من خلال عدد من المواقع
Ikitab: http://bit.ly/2bbFnR1
Abjjad: http://bit.ly/2bQuSzP
Jarrir: http://bit.ly/1cLU3AX
Lamsa: http://bit.ly/2bwdvkG
إلى أن يتم إطلاق مكتبتنا الإلكترونية “مسا”.