يحتفل معرض فرانكفورت للكتاب، بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين له هذا العام، ما يجعله معلماً مهماً في تاريخ صناعة النشر العالمية، باعتباره الأقدم في العالم، حيث أقيمت دورته “الحديثة” الأولى في عام 1949، ونما سريعاً ليصبح حدثاً دولياً يربط الناشرين والمؤلفين والوكلاء وأصحاب المصلحة الآخرين، ويلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل عالم الكتاب.
يرجع تاريخ المعرض إلى العصور الوسطى، حيث كانت فرانكفورت، المعروفة كمركز تجاري مركزي، تستضيف معارض الكتب منذ وقت مبكر من القرن الخامس عشر. ومع ذلك، بعد الحرب العالمية الثانية، أعادت ألمانيا بناء بنيتها التحتية، وتم إنشاء المعرض كما نعرفه اليوم في عام 1949 من قبل اتحاد ناشري وبائعي الكتب الألمان، وشهد المعرض في دورته الأولى حضوراً متواضعاً بلغ حوالي 205 عارضين من 17 دولة، لكن نجاحه مهد الطريق لنسخته الثانية التي حققت مشاركة أكبر.
على مدار العقود، توسع المعرض في نطاقه وتأثيره، وجذب العارضين والزوار من جميع أنحاء العالم. وبحلول سبعينيات القرن العشرين، لم يعد مجرد حدث ألماني أو أوروبي، بل كان تجمعاً عالمياً، بمشاركة ناشرين من دول في آسيا وأفريقيا والأمريكتين. وأصبح المعرض منصة للمناقشات حول القضايا الملحة في عالم النشر، من حقوق النشر إلى الابتكارات التكنولوجية، مثل الكتب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.
وخلال دوراته المتتالية، حافظ معرض فرانكفورت للكتاب على سمعته باعتباره الحدث الأول لصناعة النشر العالمية. فهو يوفر مساحة حيوية للتفاوض على حقوق الكتاب، وهو جانب أساسي من جوانب أعمال النشر. كما يستخدم الوكلاء والناشرون الحدث كسوق لشراء وبيع حقوق الترجمة والتوزيع، وقد تم إبرام بعض أهم صفقات النشر الدولية خلال المعرض الذي تحول كذلك إلى بوصلة لعرض توجهات الصناعة.
بالإضافة إلى دوره في تجارة الحقوق، أصبح المعرض أيضاً حدثاً ثقافياً. مع أكثر من 7000 عارض من أكثر من 100 دولة حضروا في السنوات الأخيرة، فإن الحدث لا يتعلّق بالأعمال التجارية فحسب، بل كذلك بتعزيز التبادل الثقافي. ففي كل عام، يحتفي المعرض ببلدٍ معيّن ضيف شرف، يعرض تقاليده الأدبية ومؤلفيه وتراثه الثقافي. تسلّط هذه المبادرة الضوء على تنوع الأدب العالمي وتعزز التفاهم المتبادل بين الدول من خلال الكتب ورواية القصص.
علاوة على ذلك، يلعب المعرض دوراً مهماً في معالجة الاتجاهات والتحديات الحالية في صناعة النشر. من صعود منصات النشر الذاتي إلى استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى، يعمل المعرض كمنتدى لمناقشة كيف تشكّل التكنولوجيا واتجاهات السوق مستقبل الكتب، والأهم من ذلك أنه أصبح الحدث المفضل عالمياً للإعلان عن الإصدارات الجديدة والصفقات الكبرى في عالم النشر بمجالاته كافة.
مع احتفال معرض فرانكفورت للكتاب بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، حيث تقام دورته السادسة والسبعين في الفترة ما بين 16 إلى 20 أكتوبر 2024، فإنه لا يزال قوة دافعة في صناعة النشر. وعلى الرغم من التحديات التي شهدتها الصناعة في الأعوام الأخيرة، مثل جائحة كورونا والتحولات في استهلاك وسائل الإعلام، فإنه يظل منصة حيوية لتعزيز العلاقات، ودفع الابتكار، وإثراء الأدب العالمي.