يرى الناقد الفلسطيني د.يوسف حطيني، أن الرواية الإماراتية جاوزت مرحلة “النهوض والتأسيس” إلى مرحلة “صنع الهوية الخاصة”، مستدركاً بقوله إن هذه الرواية ما تزال تعيش مرحلة “الصعود”، ولا يستطيع المرء تخمين الذروة التي يمكن أن تصل إليها ليسمّي تلك الذروة والمرحلة التي تنتمي إليها “عصراً ذهبياً”.
ويضيف حطيني الذي شارك في إحدى ندوات البرنامج الثقافي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته السادسة والثلاثين، أن تحديد موقع الرواية الإماراتية على خريطة السرد العربي، يتطلب قياس إنجازاتها في أقل من نصف قرن، هو مجموع ما عاشته من السنوات.
ويؤكد أن ما تم إنجازه منذ رواية “شاهندة” التي صدرت عام 1971 وحتى الآن “يبدو مُرْضياً”، ذلك أن الرواية “شقت لنفسها طريقاً ثابتاً يحمل اسمها، وبدأت تبحث عن هوية فنية تتلمس آفاق التجديد في تأثيث المكان وصناعة الزمن، وفي تفريد الشخصيت الروائية، بما يحقق اختلافها عن المنجَز العربي”.
ويضيف حطيني أن الرواية الإماراتية حاولت أن تصنع “لغة خاصة” تفيد من الثقافة الشعبية والحكايات الشفاهية، ومن جوّ الانفتاح على العالم الذي غذّى التجربة الروائية بسمات تميّزها على صعيدَي الموضوع والفن، دون أن تفلت من تأثير العلاقات الاجتماعية السائدة.
ويتوقف حطيني عند كتابه “في ظلال النخيل” الذي صدر عن دائرة الثقافة بالشارقة ويتضمن دراسات فنية في ثلاثة عشر نصاً روائياً إماراتياً تتسم بالحداثة النسبية، وذلك من خلال تتبّع ملامح البناء الحكائي وتجليات الزمن وخصائص المكان، ومن خلال نماذج الشخصيات والأبعاد الاجتماعية والروحية للّغة، ومستوياتها وإيقاعاتها المختلفة.
ويوضح أنه درس كيفية التعامل مع الزمن من خلال رواية “نداء الأماكن” لمريم الغفلي، ومن خلال رواية “رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش التي أتقنت اللعب بالزمن في الفضاء المفتوح. كما تقصّى فضاءات الرواية في رواية “زينة الملكة” لعلي أبو الريش، الذي أصدر روايات تنتمي إلى التيارات الفنية المختلفة.
ويبين الناقد أنه تناول تفاصيل التأثيث المكاني في رواية “دريب الغاويات” لسعاد العريمي التي استطاعت أن تنقل القارئ من غواية الدرب إلى غواية السرد. وفي إطار البحث عن التأثيت المكاني الذي يفيد من الضوء والظلمة، قام بتقديم رؤية حول تلك الثنائية في “كمائن العتمة” لفاطمة المزروعي.
وفي دراسة الشخصيات، يقول حطيني إنه رصد تحوّل الشخصيات إلى نماذج في رواية “سلايم” لعلي أبو الريش، حيث تنطوي تلك الرواية على صيغ سردية عديدة، وزوايا نظر مختلفة، تنتقل من المخاطب إلى المتكلّم إلى الغائب، وتنفلت الشخصيات من عقالها، وتنفتح على زمان ومكان لا نهائيين، ويغدو أيّ تداخل بين أصواتها مشروعاً، بل مطلوباً.
ويضيف أنه خصص جزءاً لا بأس به في الكتاب لكيفية تعامل الرواية الإماراتية مع الحكاية، إذ قدم قراءتين، تتعلق الأولى باعتماد السارد على إيقاعين حكائيين شبه متوازيين، على نحوِ ما فعلَ كريم معتوق في “رحلة ابن الخرّاز”، وتتعلق الثانية بالاعتماد على التفاصيل الحكائية الصغيرة على نحو ما جاء في نصوص الكاتبة فتحية النمر.
ويلتفت حطيني إلى اللغة الروائية التي اتخذت بعدها الاجتماعي في رواية “طوي بخيتة” لمريم الغفلي، وفي رواية “زاوية حادة” لفاطمة المزروعي، حيث يتتبّع تجليات الذاكرة والسائد الاجتماعي، كما يتتبّع اللغة في بعدها الرومانسي في رواية علي الحميري “أميرة حي الجبل”، وفي بعدها “التقاطبي” في رواية “لعلّه أنت” لباسمة يونس، ويتقصّاها في بعدها الأيديولوجي -في رواية “العبيد الجدد” لياسر حارب.
ويؤمن حطيني أن التراكم الروائي لا يصنع رواية فنية مبدعة، ولكنه يصنع ظاهرة فنية أو موضوعية تنتمي لتاريخ الأدب. غير أن الذي يصنع الرواية الفنية المتميزة هو “تفرّد المبدع” الذي يحاذيه لاحقاً كتّاب آخرون، ينهلون من البئر نفسها، أو يحومون حول حِماها.
ويرى أن فن الرواية اجتاز مرحلة “التشكّل التقليدي”، ولم يعد المبدع مطالَباً بأن يوازن بين عناصر السرد كافة، بل أن يستوعب ما هو مطلوب منه ليتجاوزه، لا ليتقيّد به. وانطلاقاً من هذا الفهم تصبح الرواية المتميزة التي تتقصّى جانباً من جوانب السرد، مشروعاً فنياً ومدرسةً منهجية من أجل تطوير الأعمال الروائية فنياً، بعيداً عن الخوف من قيود التنظيم التقليدي الصارم للرواية.
وفي ضوء ذلك، يقول حطيني إن الكاتب الذي يتجه لتكثيف الزمن يمكن له أن يطوّر تجربة صالحة غابش في روايتها “رائحة الزنجبيل”، وأن يفكّر باختراق نظامها، كي لا يبدأ من استراتيجيات بنية تقليدية ثابتة الأركان والتقنيات؛ تماماً مثلما أفادت غباش من تجارب روائيين كبار اختصروا الزمن الواقعي إلى أقصى حد ممكن، مثل فرجينيا وولف في “السيدة دولّلي”، وجبرا إبراهيم جبرا في “صراخ في ليل طويل”، وغسان كنفاني في “ما تبقّى لكم”. ويوضح أن صالحة غابش استطاعت في روايتها هذه أن تستند إلى زمن واقعي لا يتعدى أياماً قضتها البطلة طريحة الفِراش، دون أن تستسلم لنظرية الرواية والتحقيب الزمني.
وفي السياق نفسه، يؤكد حطيني أن رواية “نداء الأماكن.. خزينة” لمريم الغفلي، يمكن لها أن تحرّض المبدع على تنويع العلاقة بين الزمان والمكان، لبناء بنية “زمكانية” بحسب تعبير “باختين”، تتيح للمتلقي أن يشمّ عبق الزمن الماضي في المكان الحاضر.
ويشير الناقد إلى أن كتابه يتضمن دراسة تتعلق بنمذجة الشخصيات، من خلال استعراض نماذج الشخصيات في رواية “سلايم” لعلي أبو الريش، والتي يتم فيها تحويل الشخصية الفردية إلى نموذج يتوافر على مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية، وهو ما يجعل شخصيات هذه الرواية متّكأ يمكن البناء عليه والاستفادة منه، في حال أراد روائيّ ما أن يترك “تفريد” الشخصيات في روايةٍ ما، لصالح “نمذجتها”.
ويختم حطيني حديثه بتأكيده أن الرواية الإماراتية تشتمل على نماذج كثيرة مكّنتها من تبوّء مكان لائق في الرواية العربية.