الناشرة نور عرب: الشغف هو المحرّك الرئيسي والحقيقي للنجاح في صناعة النشر
منذ تأسيسها في يناير 2018 بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت “نور للنشر” من أكثر دور النشر المتخصصة في طباعة ونشر كتب وقصص الأطفال باللغتين العربية والإنجليزية، نشاطاً وحضوراً في معارض الكتاب على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى مشاركتها في معرض بولونيا لكتاب الأطفال 2023، ويرجع ذلك بالأساس إلى شخصية مؤسستها، الكاتبة والمترجمة والناشرة الفلسطينية الكندية نور عرب، التي جعلت الدار رقماً صعباً، ومكّنتها من الاستمرار والنجاح.
وفي هذا الحوار مع “ناشر” تحدثت نور عرب، عن شغفها بعالم النشر، واهتمامها بتأسيس دار مميّزة تنشر كتباً متنوعة قريبة من القلب، منها مسلية تعليمية ومنها ما يُنمي الجانب العاطفي أو الاحترافي عند القارئ، إلى جانب أسرار نجاح الدار التي أبدعت أسلوباً جديداً في أدب الطّفل من خلال صياغة حوارات يوميّة بين الأمّ وأطفالها بأسلوب أدبيّ بسيط يعزّز التّواصل والتّفاهم بين الأمّ والطّفل، إلى جانب استعراض بعض أوجه التعاون مع دور نشر عالمية لترجمة الإصدارات إلى لغات عديدة أبرزها الفرنسية، والصربية، والجورجية.
* ما الذي يميّز إصدارات دار نور عن غيرها من دور النشر؟
أعتقد أن ما شدني الى هذا العالم الجميل هو رغبتي بتقديم محتوى مميّز للأطفال مناسب لجيل اليوم.. وما قدمته هو امتداد لتخصصي، فلم أخرج عن مجالي، بل تخصصت به أكثر ونفّذته على أرض الواقع. ما قمت به هو تطبيق لرسالتي بالماجستير التي تناولت سبل تطوير اللغة من خلال قصص الأطفال بأسلوب بسيط وشيّق.. إلى أن أصبحتُ رائدة في الكتب الثنائية اللغة، والتي تُقدّم باللغتين العربية والانجليزية في آن معاً حرصاً على وصولها إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء.
* ما الذي أضافه عالم النشر إلى نور.. المرأة، والكاتبة، والمترجمة، ورائدة الأعمال؟
عالم النشر أضاف لي آفاقاً جديدة من التفكير.. رؤية العالم من منظور الطفل، والأم، والقارئ، واللغوي، والتربوي، والرسام، والمصمم، وبائع الكتب، والناشر العربي والأجنبي.. ومعرفة أهمية كل طرف بصناعة الكتاب، وتفهّم اختلاف الثقافات والآراء.. فصناعة الكتاب عمل جماعي لا يمكن أن يتم إلا باكتمال جميع حلقاته وانسجامها معاً بأسلوب إبداعي مميّز. وفي نهاية المطاف إدراك مدى أهمية الشغف بالعمل، فالمحرّك الحقيقي وراء كل من الكاتبة، والمترجمة، ورائدة الأعمال داخلي، هو الشغف ذاته.
* تركز بعض دور النشر في إصداراتها من كتب الأطفال على الجانب القصصي والترفيهي أو الجانب التعليمي المعرفي وما بينهما من رسائل تربوية هادفة.. أين تجد دار نور نفسها بين هذين الجانبين؟
دار نور تؤمن أن الجوانب التعليمية والمعرفية والقصصية والترفيهية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض إن أردنا تقديم محتوى جاذب ومتكامل للطفل. ومن المهم جداً تقديم رسائل تربوية هادفة وصحيحة وهذا الذي أسعى إليه في جميع إصداراتنا.
* ما التحديات التي يواجهها الناشر العربي اليوم.. وخصوصاً في مجال نشر كتب الأطفال؟
أبرز التحديات في عالم النشر في المنطقة العربية برأيي تكمن في عملية التوزيع.. لكن في نوفمبر 2022 أطلقت جمعية الناشرين الإماراتيين “شركة منصة للتوزيع” التي وضعت حركة التوزيع وتسويق الكتاب أمام مرحلة جديدة في المنطقة والعالم. ولا شك أن “شركة منصة للتوزيع” أسهمت في وصول أعمالنا ليس إلى المنطقة العربية فحسب بل إلى العالم.
* هناك منافسة كبيرة في مجال نشر كتب الأطفال العربية.. لماذا لا تتحد بعض دور النشر مع بعضها البعض؟ أليس العمل ضمن مجموعة أفضل؟ ما رأيكِ؟
تفخر دار نور للنشر بكونها عضواً في جمعية الناشرين الإماراتيين التي تسعى إلى الارتقاء بالناشر الاماراتي.. وتقدّم الجمعية ميّزات عديدة داعمة للناشرين الإماراتيين، وقد حظيت دار نور للنشر بفرصة المشاركة في جناح جمعية الناشرين الإماراتيين في معرض بولونيا لكتاب الأطفال 2023 والمساهمة مع دور أخرى بالتبادل الثقافي العالمي للأفكار من خلال عرض نور للنشر لكتب باللغتين العربية والإنجليزية للناشرين من كل الثقافات. وأعتقد أن النمو والنضج بصناعة النشر من خلال هذا الالتقاء الثقافي للناشرين ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العالمي أيضاً.
* يلاحظ المتابع لإصداراتكم وجود لمسة نسائية عليها، من النصوص والرسوم إلى العناوين والإخراج.. ما الذي يميّز الناشرة عن الناشر؟ وما القيمة التي تضيفها المرأة إلى عالم الكتاب عندما تقود دار النشر؟
حينما تكون الناشرة امرأة فلا بد من أن يطفو على المحتوى فكر نسائي.. والمرأة قد تكون الأم، والأخت، والابنة، فهي تمثل نصف المجتمع.. وأنا ككاتبة استلهمت 20 عنواناً من إصداراتي من أطفالي إلى أن ذُكر بأنني أبدعت أسلوباً جديداً بأدب الطفل من خلال صياغة الحوارات اليومية بين الأم وأطفالها بأسلوب أدبي يعزز التواصل والتفاهم بينهما. فسلسلة “سمسوم ونايا” تنقل مشاهد جميلة من كل بيت، وتجسّد حوارات واقعية بين الأم وأطفالها، وتلفت نظر الأمهات إلى أن الاستماع إلى أطفالهن يكشف الكثير من إبداعهم وطريقة تفكيرهم.
* يرغب الأطفال اليوم في قراءة كتب تفاعلية أكثر من الكتب الورقية.. هل لديكم توجه أو محاولات لدخول عالم الكتب التفاعلية؟
لن أخفي أنه كانت هناك محاولات عديدة لتنفيذ رسوم متحركة لسلسلة “سمسوم ونايا” خاصة خلال فترة جائحة كورونا. كما نفذنا العديد من الكتب الصوتية والتفاعلية لمجموعة من إصدارات الدار. ومؤخراً قمت بتصوير خمس حلقات من مؤلفاتي والتي ستعرض بشكل تفاعلي على منصة “شاهد” التابعة لمجموعة “أم بي سي” قريباً.. كما قام عدد من مشاهير وإعلاميي “أم بي سي” بتصوير بعض الحلقات أيضاً لإصدارات الدار والتي يتم بثها حالياً على منصة “شاهد”.
* هناك مبادرة “ببلش هير” التي أطلقتها الشيخة بدور القاسمي لدعم مشاركة المرأة في قيادة صناعة النشر.. ما أهمية هذه المبادرات في تحفيز المرأة للتوجه أكثر نحو النشر؟ وما الذي تحتاجه رائدات الأعمال لدخول هذا العالم؟
كنت فخورة جداً بالاحتفال بيوم المرأة العالمي مع عدد كبير من النساء الرائدات في صناعة النشر من حول العالم في منصة “ببلش هير” بمعرض بولونيا لكتاب الأطفال 2023. وكانت فرصة رائعة للاستماع لبعضنا البعض ومعرفة أن أهدافنا، رغم اختلاف ثقافتنا، هي في نهاية المطاف مشتركة. كنت سعيدة بحضور الجلسات النقاشية والتي ركزت على القضايا المرتبطة بتمكين المرأة من قيادة صناعة النشر، والإنجازات الرائعة للنساء الرائدات من الماضي إلى الحاضر، والتفكير معاً بحلول للتحديات التي نواجها حتى اليوم، ودعم بعضنا البعض، والتسلّح بالثقة بالنفس. وكانت الكلمة الافتتاحية للشيخة بدور القاسمي ملهمة جداً وأسهمت في تعزيز إيماننا بقدراتنا.
* يشكو كثير من الناشرين العرب من أن المهنة لم تعد مربحة، ومع ذلك مازالوا يمارسونها! هل النشر مهنة تقتضي بالضرورة الربح أم هي هواية ذات بُعد ثقافي؟ … وكيف لنا أن نجعلها عربياً أفضل؟
كما ذكرت في بداية الحوار، المحرّك الرئيسي والحقيقي بصناعة النشر بالنسبة لي هو الشغف.. خاصة أنها مهنة تتطلب الكثير من الإصرار والصبر.. لكن نحن نحظى بالدعم المستمر والمبادرات الرائعة التي تقدمها جمعية الناشرين الإماراتيين وبفضل هذه المبادرات ازدهرت صناعة النشر في المنطقة بشكل ملحوظ جداً.
* إنتِ فلسطينية كندية، ولدتِ ونشأت في سوريا، وتعملين الآن في الإمارات.. ما تأثير هذا التنوع الثقافي على نور الناشرة وعلى نور الدار وإصداراتها؟
التنوع الثقافي مهم لأنه يمنحنا فهماً أشمل للثقافات الأخرى إلى جانب رؤية المشهد الثقافي ذاته من زوايا أكثر.. الأمر الذي يساعد على توسيع الآفاق وبالتالي فرصة أكبر للانتشار. هذه العوامل ساعدت بترجمة إصداراتي إلى ثلاث لغات حتى الآن.
بالإضافة إلى أن دراستي في كندا واطلاعي على كتب أطفال أجنبية من عمر صغير جعلني أفكر باللغتين معاً واستوعب الثقافة الأجنبية أكثر، هذا الأمر ساعدني على فهم جيل اليوم واحتياجاته ومتطلباته.
* ما الجديد الذي تعملون عليه حالياً.. هل من مفاجآت بانتظار القراء الصغار في المستقبل القريب؟
يسعدني أن أتحدّث عن التعاون القائم حالياً مع دار النشر الكندية “بوكلاند برس” BookLand Press والتي قامت مؤخراً بترجمة قصة “وردة لماما” و”سمسوم يحب القمر الناعس” إلى اللغة الفرنسية وتعمل على نشرها في أمريكا الشمالية، وأتلهف لحصولي على النسخة المترجمة في مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2023.
كما تقوم دار “آجورا” للنشر Agora Publishing بترجمة سلسلة “سمسوم ونايا” لنشرها باللغتين الصربية والعربية معاً في المقاطعات الصربية قريباً.
أيضاً قامت دار نشر “شيميتسنيبا” Shemetsneba Publishing House الجورجية بترجمة إحدى قصص الدار إلى اللغة الجورجية وتوزيعها هناك.
كذلك، قامت نور للنشر بشراء حقوق قصة أجنبية بعنوان “مطر الأحد” Sunday Rain للكاتبة البريطانية روسي بوفا بعد فوز الدار بمنحة لترجمة القصة.
وفي الختام، أشكر هيئة الشارقة للكتاب التي تنظم مؤتمر الناشرين سنوياً والذي يتيح لنا الفرصة للتواصل مع الناشرين العالميين والتقاء الثقافات. كما أتاح لنا معرض بولونيا لكتاب الأطفال فرصة خوض العديد من النقاشات مع ناشرين عالميين، نتمنى أن تثمر في المستقبل القريب، وانتظرونا في مهرجان الشارقة القرائي للطفل، حيث سنطلق المزيد من الإصدارات المميّزة.