تعد مكتبة الأمبروزيانا، الواقعة في مدينة ميلانو بإيطاليا، واحدة من أهم المكتبات في أوروبا، وتشتهر بمجموعاتها الواسعة والمتنوعة، وقد تأسست على يد الكاردينال فيديريكو بوروميو عام 1609، وسميت باسم القديس الراعي لميلانو، أمبروز (سانت أمبروجيو). وكانت واحدة من أوائل المكتبات العامة في أوروبا، وتجسّد رؤية بوروميو بجعل المعرفة في متناول العلماء والجمهور.
تكمن أهمية المكتبة في مجموعاتها الواسعة والنادرة، والتي تغطي مجالات مختلفة، بما في ذلك الأدب، والدين، والفن، والعلوم. ومن بين أبرز كنوزها “مخطوطة أتلانتيكس”، وهي مجموعة من 12 مخطوطة من رسومات ومذكرات ليوناردو دا فينتشي. كما تضم المكتبة أعمالاً لمشاهير آخرين مثل فرانشيسكو بترارك، ودانتي أليغييري، وجاليليو جاليلي.
من الجوانب الجديرة بالملاحظة بشكل خاص في مكتبة الأمبروزيانا هي مجموعتها من المخطوطات العربية والإسلامية، والتي تعكس الآفاق الفكرية الواسعة لمؤسسها. ومن أهمها كتاب “الحيوان” للجاحظ، الذي تحدث مؤلفه عن العرب وأحوالهم وعاداتهم وعلومهم، وبعض مسائل الفقه والدين وصفوة مختارة من الشعر العربي والأمثال والبيان ونقد الكلام. ومن المخطوطات الرئيسية الأخرى كتاب “البرهان في أصول الفقه” للجويني، وهو نص مؤثر في الفقه الإسلامي.
لا تتميّز مكتبة الأمبروزيانا في ميلانو بمجموعاتها القيّمة من الكتب والمخطوطات فحسب، بل وأيضاً بعناصرها المعمارية والتصميمية، التي تعكس أهميتها التاريخية والثقافية، حيث تقع المكتبة في قصر أمبروزيانا، وهو مبنىً مصممٌ بمزيج من الأساليب المعمارية لعصر النهضة والباروك، وتأثر تصميم المكتبة بشكل كبير برؤية الكاردينال فيديريكو بوروميو لإنشاء مساحة من شأنها أن تلهم التفكير والتأمل.
يرتفع بناء المكتبة من الداخل بأسقف عالية ونوافذ كبيرة وأعمال خشبية مزخرفة، وكل هذا يسهم في توفير جو يمكن زوارها من الانغماس في العلم. كما تم تزيين غرف القراءة بلوحات جدارية وأعمال فنية متقنة لفنانين مشهورين مثل برناردينو لويني، أحد تلاميذ ليوناردو دافنشي.
ومن أبرز سمات المكتبة درجها الرخامي الرائع، والذي يقود الزوار إلى غرفة القراءة الرئيسية، وهي تحفة فنية من حيث التصميم، مع صفوف طويلة من خزائن الكتب الخشبية، كل منها منحوتة بدقة ومليئة بالنصوص القديمة. تم تصميم غرفة القراءة لتسهيل الدراسة والتأمل، مع وجود مساحة واسعة بين طاولات القراءة وضوء طبيعي يتسرّب عبر النوافذ الكبيرة.
ولا يخدم تصميم مكتبة الأمبروزيانا الأغراض العملية فحسب، بل يعزز أيضاً التجربة الثقافية والفكرية، ما يجعلها مكاناً يلتقي فيه التاريخ والفن والمعرفة. ويستمر هذا التصميم البديع في جذب العلماء، والمؤرخين، ومحبي القراءة، وعشاق الفن من جميع أنحاء العالم، ما يعزز مكانة المكتبة كمركز للتعلّم والثقافة، وهو ما يتماشى مع روح مدينة ميلانو الأشهر في إيطاليا من حيث مبانيها المعمارية وصروحها الثقافية.