اختارت الكاتبة اللبنانية سناء شباني الكتابة للأطفال مساحة لتروي فيها سيرة يومياتها، وتسرد ذاكرة حياتها الخاصة، محولة ما شهدته من حرب خلال سنوات شبابها إلى تجارب لاكتشاف الحب، والعودة إلى الإنسانية والأمل، فبات الأطفال هم جمهورها، اللذين تستمع إلى حكاياتهم، وتعرف جودة نصوصها من حجم البهجة والسعادة التي تصنعها لهم.
للوقوف عند تجربتها في الكتابة، ورؤيتها لمشهد أدب الأطفال العربي، بوصفها واحدة من المتابعات الشغوفات بكل ما يقدمه الأدب العربي للطفل، كان لـ”ناشر” الحوار التالي مع الكاتبة سناء شباني.
ما سبب اختيارك الكتابة للطفل؟
بدأت الكتابة وأنا طفلة أو بالحقيقة اكتشفت اللغة وعالمها عبر الخربشات، ثم تحسنت لغتي وبدأت كتابة الشعر العامي البسيط المناسب لعمري، وقمت بتأليف عالم خاص بي يتمتع بخصائص جغرافية هي نسخة عن الحقيقة ولكن بإضافة عالم خيالي ورحلات وهميّة وكل ذلك بأسلوب بسيط وساخر.
كنت أقرأ القصص المتوفرة في البيت بشغف وحتى أن معظمها كان لا يناسب عمري. فتعلقت بالمطالعة وأصبحت نافذتي على الدنيا في ظل الحرب التي عشتها في طفولتي في لبنان، إذ أذكر أن معظم أيام طفولتي عدا في فصل الصيف، كانت في البيت وفي الحي حيث أذهب مع أمي إلى زيارة الأقارب فقط أو أبقى في البيت بعد المدرسة بصحبة القصص المكتوبة أو التي تطل عليَّ عبر شاشة التلفزيون من عالم ديزني الرائع ومن مغامرات السندباد البحري، ودبلجة الكثير من الرسوم المتحركة ومنها زينة ونحّول.
استمريت في الكتابة ولكنها أصبحت خاصة جدّا في سن المراهقة بحيث كانت الكلمات لي وحدي.
وفي الجامعة اخترت دراسة التربية والتعليم ومن ضمن مقرر دراسي عن أدب الأطفال استمتعت بجاذبية هذا العالم وكان المشروع في ختام المقرر تأليف قصة، حينها أحسست أن المخزون تحرّر، والأفكار تعج في بالي والرسوم المتحركة تريد أن تخرج من خيالي بفوضى ومتزاحمة تجمعت، التقت ببعضها البعض الآخر، فحبكت قصة وأثنائها سجلت جانبًا الكثير من الأفكار اعتنيت بأن أخرجها وأفكر في النشر عندما تصبح جاهزة وهذا ما حصل.
أرتاح في عالم الكتابة أولا لأن الكتابة رافقتني في كل مراحل نمائي ومن ثم أخذت طابع الكتابة للطفل بطريقة عفوية جلبت لقلبي المتعة.
خلال عملك و متابعتك لما يصدر في سوق النشر العربي من كتب للأطفال، برأيك ما هي التحديات التي تواجه النشر في الوطن العربي وما التحديات التي تواجهينها شخصيا؟
التحديات كثيرة وتبدأ من قِمّة الهرم وهي السياسات التي تنظم النشر العربي، فكلما كانت متعاونة ومبرمجة تعتمد على التشبيك مع كل الشركاء وأرضت جميع الأطراف وحققت التوازن والدعم وسهلت الأمور للاستمرارية والتشجيع واستطاعت الوصول إلى قلب كل بيت بكل أفراده والأطفال خاصة للوصول إلى معادلة مواطن يقرأ، طفل يقرأ، مراهق يقرأ، مجتمع يقرأ لصنعنا الفرق الذي نحتاجه بشدّة.
من ناحية أخرى جاءت مؤسسة الفكر العربي بمشروع عربي 21 لتضع حدًّا لمشكلة الكتابة للطفل دون معايير موحدة ومُتّفق عليها من قِبَل خبراء في اللغة وعلم النفس التربوي للطفل والمراهق والتي تأخذ في عين الاعتبار خصائص الفئات العمرية وحاجاتها ومقدراتها اللغوية، فتركت بصمة كنا نحتاج إليها.
وتعيش دور النشر الصعوبات والتحديات فهي تعاني حتى تسوّق الكتاب، وتتكلف وتغامر. وتواجه مكتبات تسويق الكتب تحديات كثيرة ولمسنا بعض النتائج في بيروت عندما بدأت بعض المكتبات الرائعة بالاستسلام للالتزامات المالية، وعزوف القارئ عن اعتبار الكتاب مادة يومية أساسية في حياته وحياة أبنائه، في ظروف أمنيّة واقتصادية تحدد الأولويات.
أما بالنسبة للتحديات الشخصية، فهي تتشابه مع تحديات كل كاتب في أدب الأطفال والتي تتمثل بعدم القدرة على التفرّغ للكتابة لاهتمامنا بالحصول على وظيفة تؤمن دخلاً ثابتًا وهذا ما يشكّل ضغطًا في الأمور المتعلقة من ناحية الحاجة الدائمة لوقت الفراغ للاستمتاع بالكتابة، ومواكبة نشر القصة بإعطاء الوقت الكافي لمتابعة مراحلها التالية. والتواجد في المعارض المحلية والعربية والدولية من وقت إلى آخر، والتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن الذي أحاول أن أخصص له وقتًا على حساب عملي وواجباتي الأخرى هو التواصل مع الأطفال والمراهقين، فهذا ما يفرحني ويؤمن حاجتي من الحصول على التقييم من جمهوري من المستمعين الذين أزورهم لحكاية قصصي، ويجلب لي السعادة التي أردتها من كتابة القصص. وبوجودهم أعمل على تحسين أدائي.
كيف ترين مستوى أدب الطفل في الوطن العربي وما هي إمكانيات النهوض به؟
أرى المستوى جيد جدًّا من نواحي متعددة، على مستوى القصة أصبح لدينا كتابًا في أدب الأطفال ورسامين متخصصين، موهوبين، وأصبح لدينا دور نشر متخصصة في انتاج قصص الأطفال والناشئة على مستوى يضاهي الانتاج العالمي الذي سبقنا في ذلك أشواطًا، وانتقلنا من ترجمة القصص إلى تأليفها لتحمل لمسات خاصة بثقافتنا وتنقل التراث وجوانب الحياة وقريبة من الطفل والمراهق. نحتاج إلى استمرار تعزيز المطالعة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في أن كل مواطن عربي هو قارئ ومثقف. ونحتاج إلى جعل القصة تدخل إلى كل بيت وإلى كل مكتبة بسعر مقبول للأسرة فيستطيع الأهل تخصيص ميزانية تحقق أهداف الأسرة في تربية أبناء مثقفين وقرّاء. وعند تحقيق هذا الهدف يستمر عالم النشر بصحة جيدة فالعلاقة موجودة ما بين الجهتين بطريقة مباشرة.
ما رأيك في توجه اليافعين للأدب الإنجليزي؟ برأيك، ما سبب هذا التوجه؟ هل هو ناتج عن انتشار الثقافة الأجنبية أم ضعف محتوى الكتب العربية؟
للإعلام سلطة وقد استطاعت العولمة أن تغزو ثقافتنا المحلية وتبدو الثقافة الغربية جذابة عند اليافعين. مسؤولية الإعلام العربي التحدي وعدم الانجراف بل العمل على إبراز الأدب العربي العريق بالمقابل.
وأنا لست ضد توجه اليافعين للأدب الإنجليزي فهذا يقع ضمن نطاق الثقافة وتنوعها، وأتمنى في الوقت نفسه توفير أدب عربي متخصص لليافعين يعرض اهتماماتهم ويتناسب مع حاجاتهم كلها.
نعم، تنتشر الثقافة الأجنبية على حساب اللغة العربية ويفتخر بها الأهل كون أولادهم يمتلكون اللغة الأجنبية وهي ستحضرهم لسوق العمل واحتياجاته، الأمر الذي يحتم علينا الوعي بضرورة تعزيز اللغة العربية من ناحية تعلمها وامتلاكها علمًا أن وسائل تعليمها بطرق جذابة أصبحت متوافرة ولم تعد وسائل تعليم اللغة الأجنبية هي وحدها الأسهل، والأفضل، والمعتمدة على التكنولوجيا فقط.
وأرى أن العديد من المدارس لا تخصص لتعليم اللغة العربية ساعاتٍ كافية كما تخصص لتعليم اللغة الأجنبية، ومن هنا تبدأ التحديات.
ما هي الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال كتاباتك للأطفال؟
في البداية المتعة في صحبة الكتاب والقصة وما تضيفه الرسوم وابداعاتها ويقدمه الإخراج من فن، ثم الوعي بمحيط عناصر المجتمع، والعلاقات المختلفة ما بين الأشياء، والبيئة، والإنسان والحيوان والطبيعة. وتفهم وجهات النظر المختلفة، وتقبل الآخر المختلف من ناحية التنوع الثقافي، إلى جانب تعليم الأطفال تخطي الصعوبات والتحديات بالصبر والمثابرة، وغيرها الكثير من الرسائل التي يمكن تلخيصها بأن الخير في صراع مع الشر، وعرض المشاكل المشابهة لخبرات الفئة المستهدفة، وتبسيط المفاهيم التي تسترعي الاهتمام، الاستمتاع باللغة وامكانياتها من ناحية الخيال وموسيقى الكلمات.
كيف تقيميّن مواكبة كتابات الأطفال حاليًا مع متغيرات عصرنا الحالي ؟
توجد مواكبة فأنت في الكتاب برفقة كاتب موهوب ورسّام فنان، ودار نشر تعتني بأن تتطور وتحافظ على مكانتها، وقارئ ذكي.
نحتاج إلى دراسات بحثيّة أكاديميّة وإحصائيات حديثة ومستمرة تقيس كل ما يتعلق بعالم النشر والقصص والكتابة والرسم والقرّاء، والمكتبات، على الصعيد المحلي والعالم العربي، وبعيدًا عن الدراسات والأبحاث لا أستطيع أن أقوم بأي تقييم.
ولكن ما هو لافت للانتباه أن معارض الكتاب في دولة الإمارات، وهي البلد الوحيد التي تسنى لي أن أزور معارضها، هي على مستوى عالمي يدعو للفخر والتقدير، حيث جذب المحيط العربي من المثقفين والفنانين والكتاب وتعتني بالتنويه والتكريم وإظهار المواهب، وتحترم ثقافة الطفل وتقدمها له على طبق من حرير.