لا شيء يضاهي كتاباً جيّداً يرافقنا في أيام الصيف الطويلة، سواءً كنا نستظل تحت شجرة، أو نتمدّد قرب البحر، أو نختلس لحظات هدوء في البيت بعيداً عن ضجيج الحياة. لكن السؤال الذي يطرحه القارئ كل عام هو: ماذا نقرأ في الصيف؟.. ليست المسألة في أسماء الكتب، بل في نوع القراءة نفسها، تلك التي تنسجم مع إيقاع هذا الفصل المختلف، وتمنحنا ما نبحث عنه: الترفيه أو التعمّق، الخفّة أو الهروب، أو حتى المواجهة.
يميل كثير من القراء إلى ما يُعرف بـ”القراءة الخفيفة” في الصيف، وهي ليست بالضرورة سطحية، بل تميل إلى السرد المتدفق، والشخصيات القريبة، والحبكات التي لا تُثقل الذهن بأسئلة كبرى. فالصيف موسم التخفف من الأعباء، والقراءة فيه تتحوّل إلى ملاذ نفسي لاختبار متعة النص بصفته تجربة حيّة، لا امتحاناً ذهنياً. ولذلك، تحتل الروايات ذات الإيقاع السريع أو الحبكات المشوّقة مكانة كبيرة في المكتبات خلال موسم الصيف.
في المقابل، يرى آخرون في الصيف فرصة ذهبية للقراءة العميقة التي لا تتيحها الشهور الأخرى، بفعل الهدوء النسبي أو الإجازات الطويلة. هنا، تصبح القراءات الفكرية والفلسفية، أو الكتب التي تؤجلها رفوفنا طيلة العام، أقرب إلى متناول اليد. هذا النوع من القرّاء لا يتعامل مع الصيف كفصل للراحة فقط، بل كفسحة للتركيز، ومناسبة لإعادة بناء العلاقة مع الذات من خلال الأفكار والنصوص الكبرى.
وثمة من يفضل القراءة التأملية أو الحميمية، تلك التي تُعيد ترتيب علاقتنا بالعالم أو بالذاكرة، مثل السير الذاتية أو النصوص الأدبية التي تتداخل فيها السيرة مع السرد. في الصيف، حيث تتباطأ الإيقاعات وتتسع المسافات بين الحدث والحدث، تصبح هذه الكتب أكثر وقعاً وتأثيراً، كأنها مرآة تُفتح فجأة أمام أرواحنا المنهكة.
وللقراءة في الصيف بُعدٌ جغرافي أيضاً. إذ يميل البعض إلى قراءة أدب المكان؛ كأن يختاروا كتباً تدور في المدن التي يزورونها، أو تنتمي ثقافياً إلى وجهاتهم. فتصير القراءة امتداداً لتجربة السفر، وطريقة لفهم المكان من الداخل، لا عبر النشرات السياحية، بل من خلال العيون التي كتبته والأقلام التي وصفته. إنها قراءة تُمزج بين الاكتشاف الخارجي والاكتشاف الداخلي في آن.
أما الأطفال واليافعون، فقراءة الصيف بالنسبة لهم بوابة إلى الخيال المفتوح، بعيداً عن المقررات والواجبات المدرسية. هنا، تلعب الكتب المصوّرة، والروايات الخيالية، والقصص المصحوبة بالأنشطة، دوراً محورياً في تحويل العطلة إلى مساحة للدهشة، لا فقط للهو أو الخمول. إنها القراءة التي تغرس فيهم عادة المطالعة لا بوصفها تكليفاً، بل متعة يمكن أن تنمو معهم.
في النهاية، لا توجد وصفة واحدة للقراءة الصيفية، كما لا توجد طريقة واحدة للاستمتاع بها. المهم أن نقرأ ما يجعل هذا الفصل أكثر دفئاً من شمسه، وأكثر رحابة من أيامه الطويلة. فالقراءة ليست فقط ما نفعله في الصيف، بل ما يجعل الصيف نفسه أكثر ثراءً وبهجة.